منتديات الحرية والتقدم
مرحبا بكم في بيتكم سعدنا بحضوركم ويكون سرورنا أكبر لو تكرمتم بمرافقتنا في هذا الفضاء الذي يمكنه الرقي والازدهار بمساهماتكم
منتديات الحرية والتقدم
مرحبا بكم في بيتكم سعدنا بحضوركم ويكون سرورنا أكبر لو تكرمتم بمرافقتنا في هذا الفضاء الذي يمكنه الرقي والازدهار بمساهماتكم
منتديات الحرية والتقدم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الحرية والتقدم

هذه المنتديات فضاء حر جاد للمساهمات الفكرية ولمختلف أشكال التعبير ذات الاهتمام بموضوع الحرية وارتباطه بالتقدم والرقي في ظروف إنسانية كريمة متنامية ومتواترة الازدهار دون هوادة *** لا يعبر ما ينشر في المنتديات بالضرورة عن موقف الإدارة وهي ليست مسؤولة عنه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

النظام العالمي الجديد يبرز بسرعة إلى الوجود

الشرق المتكون من روسيا القوة العسكرية الأولى في العالم ... الصين القوة الأولى الاقتصادية والتجارية حاليا .. النمور الآسيوية المتوثبة الصاعدة بسرعة ... مجموعة البريكس بصفة عامة ... أطراف أخرى متعاونة

 

 الأزمة المصريّة: مخاض الديمقراطيّة العسير .. خريطة القوى والتّحالفات في المشهد السياسيّ الجديد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد المالك حمروش
المدير العام
المدير العام
عبد المالك حمروش


عدد المساهمات : 2175
تاريخ التسجيل : 10/06/2011
الموقع : منتدبات الحرية والتقدم

الأزمة المصريّة: مخاض الديمقراطيّة العسير .. خريطة القوى والتّحالفات في المشهد السياسيّ الجديد Empty
مُساهمةموضوع: الأزمة المصريّة: مخاض الديمقراطيّة العسير .. خريطة القوى والتّحالفات في المشهد السياسيّ الجديد   الأزمة المصريّة: مخاض الديمقراطيّة العسير .. خريطة القوى والتّحالفات في المشهد السياسيّ الجديد Emptyالجمعة ديسمبر 28, 2012 6:19 am


الأزمة المصريّة: مخاض الديمقراطيّة العسير


المركز العربي للدراسات 12 ديسمبر ،2012


وحدة تحليل السياسات في المركز

الحلقةالثالثةوالأخيرة



خريطة القوى والتّحالفات في المشهد السياسيّ الجديد



تُعدّ الأزمة الرّاهنة التي تمرّ بها مصر الأخطر بعد الثورة، ليس لأنّها تستهدف الهيئات المنتخبة ديمقراطيًّا (وأهمّها حاليًّا - وحتّى الانتخابات المقبلة - مؤسّسة الرئاسة المنتخبة) فحسب، بل لأنّها أعادت أيضًا صوغ التّحالفات داخل المجال السياسيّ بحيث أصبح لفلول النظام المخلوع ولبعض الدول المعادية للثورات منذ بدايتها دورٌ أكبر في صراع القوى وفي التمويل والحشد.

وتعدّ الأزمة غايةً في الخطورة كذلك، لأنّها بعد التخلص من ثنائية العسكر والمدنيّين أعادت ثنائيّة الإسلاميّين والعلمانيّين إلى الواجهة من جديد، بعد أن كان تجنّب هذه الثنائيات من المهامّ الرئيسة في مرحلة التحوّل الديمقراطيّ.

وفيما يلي محاولة لتحليل مشهد القوى والتحالفات السياسيّة الجديدة:


أوّلًا: معسكر المعارضين

إنَّ أبرز ما أنتجته المرحلة الانتقاليّة وقوّة السوق الإعلاميّة المصريّة الخاصّة هو ميل قطاعاتٍ اجتماعيّة واسعة من الطبقة الوسطى المدينيّة لاتّخاذ موقفٍ راديكاليٍّ ومُعادٍ لجماعة الإخوان المسلمين، أدهش الجميع، بما في ذلك قوى المعارضة، عندما احتشد المتظاهرون في ميدان التحرير يوم الثلاثاء 27 تشرين الثاني / نوفمبر، وشجّع وجود هذه الحشود المعارضة على اتّخاذ مواقفَ لا تصالحيّة.

يتميز هذا التيار بتصميمه على رفض استغلال الدولة لتمرير إملاءات في الشؤون الدينيّة، ومخاوفه من الإخوان وحدهم في السلطة. ويستمدّ شرعيّته من تنوّعه ومن انحيازه لقيَم الثورة واقترابه من فئة الشّباب والحركات الاجتماعيّة الجديدة (كفاية و٦ أبريل والألتراس، ..إلخ). ويحظى هذا التيّار أيضًا بدعم جلّ وسائل الإعلام الخاصّة وبمساندة الصحف المستقلّة والخاصّة. كما ينعم برفاهيّة المعارضة وسهولة نقد من يحكم ويتحمّل المسؤوليّة. ولهذا كان من المهمّ إشراكه في تحمّل المسؤولية في المرحلة الانتقاليّة. لكن هذا التيّار يفتقر إلى التجانس الفكريّ والسياسيّ (في قضايا السياسة الداخليّة والخارجيّة) وتعوزه مؤسّسات قويّة ومتماسكة لاحتوائه، وتنقصه القدرة على الحشد الدائم والمستمرّ. وما يجمعه حاليًّا هو الموقف ضدّ تفرّد الإخوان بالحكم. وبذلك تحوّل هذا التفرد إلى نقطة ضعف عند الإخوان بدل أن يكون نقطة قوّة. ويُعدّ اختراق رجال أعمالٍ وإعلامٍ من شبكات الفلول لهذا المعسكر من أهمّ عوامل ضعف التيار المعارض، مع أنه يبدو مؤقّتا نقطة قوّة.

وعلى عكس ما يُخيّل للبعض، فإنّ قيادات المعارضة - وخصوصًا محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى - لا تتّفق في القضايا الرئيسة المتعلّقة بالسياسة الخارجيّة والداخليّة، من قضيّة فلسطين واتفاقيّة كامب ديفيد وحتّى دور القطاع العامّ في الاقتصاد، وليست لها أطر سياسيّة منظَّمة وممتدّة في المجتمع المصريّ. وعليه، تعدّ هذه القيادات مرتهنة في شعبيّتها بتبنّي شعارات الشارع والمتظاهرين. وهذا ما يفسّر رغبتها في مقاطعة الحوار ورفض مبدأ التسويات السياسيّة، ما يعبّر عن وجود أزمة في المعارضة التي لم تستطع حتّى هذه اللحظة تنظيم أحزاب حقيقيّة تستطيع من خلالها احتواء الشارع المعارض وتأطيره في تنظيمات ذات قواعد ممتدّة. وقد يكون هذا سببًا في عجزها عن لجْم بعض المحتجّين عن استعمال العنف وإحراق مقارّ "حزب العدالة والحريّة" وجماعة "الإخوان المسلمين"، ومهاجمة بعض مؤسّسات الدولة، وتأخّرها في إدانة أعمال العنف.

وتؤدّي رغبة القيادات المعارضة في مجاراة المزاج المناوئ للإخوان المسلمين وتأجيجه إذا خبَا، لأنه ليس لديها بديلٌ عنه، إلى اتّخاذ مواقفَ - أقلّ ما توصف به أنّها "عبثيّة" - ضدّ الحلفاء التقليديّين للجماعة مثل حركة المقاومة الفلسطينيّة "حماس"، وإلى الاتّجاه لاستجداء تدّخل الولايات المتّحدة الأميركيّة من الخارج أو المؤسّسة العسكريّة من الداخل. ومن الواضح أنّ المعارضة مؤلّفة من قوى تدعم المقاومة وتناهض "كامب ديفيد" من منطلقاتٍ عروبيّة، وأخرى تناهض المقاومة، أيَّ مقاومة، وتدعو إلى نزعةٍ مصريّة انعزاليّة وتؤيّد اتفاقيّات السلام مع إسرائيل. ولكن تغلّب الاعتبارات الحزبيّة يؤدّي إلى الاجتماع على نقد كلّ ما تقوم به الرئاسة حتّى لو كان جزءٌ من المعارضة أقربَ إلى تأييد مثل هذه الخطوات لولا هذه الاعتبارات.

إنَّ التطوّر الجديد الذي حصل في الأزمة الرّاهنة هو انضمام إمبراطوريّة الإعلام الخاصّ بقوّة لدعم الشارع المعارض ضدّ الرئاسة المصريّة، وانضمّت إليه التشكيلات النقابيّة الموروثة من النظام السابق والمهدَّدة بالتطهير على يد النظام الجديد وعلى رأسها نادي القضاة. وكلا القوّتين (أي الإعلام والقضاء) اخترقتهما ودجّنتهما رؤوس الأموال التي استفادت من مسيرة اقتصاد السوق المتوحّش التي قادها النظام السابق في الثلث الأخير من عهد مبارك. ولا يعني ذلك أنّ جماعة الإخوان لا تضمّ في صفوفها هي الأخرى فئات ذات توجّهات نيولبراليّة اقتصاديّة خطيرة على تنمية مصر، لكن الفرق يكمن في أنَّ نيولبراليّي الإخوان صعدوا على أكتاف اقتصاد الظلّ لأنَّ فرصةَ الاستفادة من التسهيلات الاقتصادية لم تُتح لهم بحكم علاقتهم السلبيّة بالنظام السابق، ولكنّهم استفادوا من الحجم المهول لمدخرات الشعب المصريّ. أمّا "نيولبراليو النظام السابق"، فقد صعدوا على أكتاف الخصخصة والفساد المؤسّسي الذي قادته جماعة الحرس الجديد التي تبنّت مشروع توريث جمال مبارك. لقد اخترقت هذه الجماعة في السنوات الأخيرة من عهد مبارك، كلّ مؤسّسات الدولة بما فيها القضاء.

تخشى مراكز القوى النيولبراليّة والتي استفادت من السياسات الاقتصاديّة للنظام السابق ضياع مصالحها وتبحث عن تسويةٍ بأقلّ الخسائر مع النظام الجديد، وتكمن مشكلتها حاليًّا في أنّ الرئيس المصريّ لا يحتاج إليها بحكم وجود جماعته الاقتصاديّة التي ترعرعت كما أسلفنا في أحضان "اقتصاد الظلّ". لذلك، توجّهت رؤوس الأموال الموالية للنظام السابق إلى من يحتاج إليها فعليًّا، أي التيارات اليساريّة واللبراليّة والعلمانيّة، إضافةً إلى حلفائهم التقليديّين من "فلول" النظام السابق[3]. ومن المؤكّد أنّ هذا التحالف الذي حصل في هذه الأزمة هو تقاطع مصالح سينتهي عندما تنجح رؤوس الأموال في عقد تسوية مع النظام الجديد لضمان مصالحها، سواء كان ذلك مع الرئيس الحاليّ أو مع أيّ رئيس يأتي بعده ويكون محتاجًا إليها فعليًّا.

لقد تضاعفت قوّة معسكر المعارضين بوقوف مركز قوّةٍ كبير في القضاء معهم هو "نادي القضاة" - وهو بمنزلة نقابة القضاة - الذي كان في السابق أداةَ القضاة ضدّ نظام مبارك، خاصّةً عندما تمكّن تيّار استقلال القضاء (وعلى رأسهم المستشار زكريا عبد العزيز) من السّيطرة على مقاعد النادي كافّة عام 2005، على الرّغم من الضغوط الشديدة التي مارسها النّظام السّابق على القضاة. وقد اشتهر النادي بقيادة المستشار عبد العزيز بتشكيله حركة "قضاة من أجل مصر" التي كان لها دورٌ أساسيّ في الكشف عن التّزوير الذي وقع في انتخابات عام 2005 وانتخابات عام 2010.

لكنّ النظام السابق عاد واحتوى النادي في السنوات التي سبقت ثورة الخامس والعشرين من يناير، ضمن الهجمة التي شنّها على مؤسّسات الدولة كافّة للتجهيز لمشروع التوريث، وكان آخر فصولها تزوير انتخابات مجلس الشعب عام 2010. ووقفت إدارة "نادي القضاة" الجديدة ضدّ الثورة المصريّة منذ اليوم الأوّل للتظاهرات. وبعد الثورة لم تنجح المحاولات السياسيّة لإقصاء رئيس النادي أحمد الزند بسبب المكانة الاعتباريّة التي تمثّلها مؤسّسة القضاء في المخيال السياسيّ المصريّ.

ويتبيّن من خلال متابعة مسيرة مؤسّسة القضاء المصريّ أنَّ النظام السابق استطاع الهيمنة على المؤسّسات السياسيّة فيها، مثل "المحكمة الدستوريّة" التي يقودها كما هو معروف رجال السياسة لا رجال القضاء[4]، و"نادي القضاة" الذي أثبت مدى انحيازه لطرفٍ دون آخر حين قرّر عدم الإشراف على الاستفتاء على الرّغم من إلغاء الإعلان الدستوريّ لاحقًا وانتهاء مشكلة رئاسة الجمهورية مع مؤسّسة القضاء، وبقي جيبُ مقاومةٍ واحدٌ هو "حركة قضاة من أجل مصر" التي اتُّهمت لاحقًا بالانحياز لجماعة الإخوان المسلمين. واستغلّ "نادي القضاة" برئاسة الزند حساسيّة القضاة التاريخيّة إزاء استقلالهم ورفضهم تدّخلات السلطة التنفيذيّة، لقيادة غالبيّة القضاة لمعارضة الإعلان الدستوريّ[5]، مع أنَّ إقالة النائب العامّ كانت مطلبًا عند القضاة، وعلى الرّغم من أنَّ النائب العامّ الجديد طلعت عبد الله هو أحد رموز تيّار استقلال القضاء وأحد المناضلين الذين أقصاهم النظام السابق إلى الكويت عبر نظام الإعارة المعمول به في القوانين الداخليّة للقضاء.

يضمّ معسكر معارضي الرئيس أغلب القوى الشبابيّة والثوريّة والحركات الاحتجاجيّة مثل "حركة 6 أبريل" و"حركة كفاية" وأنصار "كلّنا خالد سعيد" ومجموعات الشباب الثائر المطالبة بحقوق الشهداء ومحاسبة قتلة المتظاهرين. ويمنحه وقوف هذه المجموعات فيه قوّةً معنويّة وإعلاميّة كبيرة. وعلى الرّغم من الصورة العامّة التي توحي بأنّ هذه المجموعات متشابهة، فإن هناك تباينًا مهمًّا قد يجعلنا نميّز بين تيّارين، هما:

التيّار الأوّل الذي يضمّ الشباب الذين لديهم موقفٌ سلبيّ من الإخوان المسلمين بسبب مواقفهم في المرحلة الانتقاليّة وما فُهم على أنّه تحالفٌ مع الجيش، وخصوصًا شباب أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وأحداث ماسبيرو الذين تجاهل الإخوان نداءاتهم للنجدة من بطش العسكر. يضاف إليهم مجموعة من الشباب والشخصيّات ذات الميول الأيديولوجية العلمانيّة المتحسّسة من الإسلاميّين وعلى رأسهم القوى المنضوية في "حركة كفاية".

أمّا التيّار الثاني، فهم شباب "حركة 6 أبريل" و"كلّنا خالد سعيد" و"الألتراس" وشباب الأحزاب الجديدة المتشكّلة بعد الثورة. لا يتميّز هؤلاء بموقف سلبي محدّد من الإسلاميّين، بل دعم أغلبهم الرئيس المصريّ محمد مرسي في انتخابات الجولة الثانية ضدّ أحمد شفيق مرشّح النظام السابق. وهي حركات لا أيديولوجية يجمعها "الموقف"، لذلك اتّخذت موقفًا ضدّ الإعلان الدستوريّ وضدّ الاستفتاء على الدستور الجديد[6].

إنّ التنوّع الشديد الذي حاولنا اختصاره في الصفحات السابقة هو الذي قوّى "معسكر المعارضين"، وسهّل لوسائل الإعلام الخاصّة الضغط بكلّ قوّة على المعسكر الملتفّ حول الرئيس وإرباكه وقلب الرأي العامّ المصريّ عليه.


ثانيًا: معسكر المؤيّدين

تصطفّ خلف الرئيس المصريّ قوى الإسلام السياسيّ جميعها بقيادة الإخوان المسلمين المدعومة ضمنيًّا من الجيش الذي يرجَّح أنّ الرئاسة المصريّة قد استشارته قبل أن تُقدِم على خطوة الاستفتاء. وأهمّ ما يميّز هذا المعسكر هو قدرته الهائلة على الحشد والتنظيم والتّماسك الداخليّ والانتشار في الرّيف والصعيد على حدٍّ سواء. ويتميّز هذا المعسكر أيضًا بوجود دعاية مجانية تمارَس لمصلحته في كلّ البلاد عبر مئات الآلاف من المساجد والزوايا التي تتبنّى عادةً موقفه السياسيّ وتدفع الناس نحو تأييده مروّجة فكرة الخير ضدّ الشرّ. لهذا التيّار أيضًا قدرةٌ هائلة على التأثير من خلال عشرات القنوات الدينيّة التي كوّنت جماهيرَ غفيرة عبر سنواتٍ من العمل. كما يستمدّ هذا التيّار قوّته من انتماء رئيس الدولة إليه، فضلًا عن حيازته الأغلبيّة المطلقة في مجلس الشورى وداخل الجمعيّة التأسيسيّة لوضع الدستور، وتغلغله بقوّة داخل العديد من النقابات المهنيّة كنقابة الصحفيّين والمحامين والأطبّاء، ... إلخ. ويُعتقد على نحوٍ واسع، أنّ هذا التيّار له أتباعٌ داخل السلطة القضائيّة (تيّار قضاة من أجل مصر)، وفي الجيش الذي يرجّح أن يكون الرئيس المصريّ قد استشاره قبل إصدار الإعلان الدستوريّ الذي تسبّب في الأزمة.

أمّا عيوب هذا المعسكر، فتتمثّل في عجزه عن إنتاج خطابٍ مطمْئنٍ لقطاعاتٍ اجتماعيّة واسعة قلقة بشأن تقييد الحريّات وأسلمة الدولة والمجتمع، ويتسبّب خطابها الشعبويّ عادةً في استعداء من هم على الحياد، فصنع هذا التيّار لنفسه - عبر ممارسات وخطاباتٍ عشوائيّة وفي إطار التنافس الداخليّ - أعداءً من التيّارات الليبرالية والعلمانيّة واليساريّة، فضلًا عن استعداء تيّارات الوسط وشباب الثوّار. ويثبت هذا التيار مخاوف كثيرين من عدم التزامه تجاه الديمقراطية في خطاباته الموجّهة لجمهوره بشكلٍ خاصّ، والتي تختلف عن الخطاب التوافقي الموجّه للعموم، وكذلك في الضغط السلفيّ داخله باتّجاه الإملاء الدينيّ وتقليص الحرّيات المدنيّة. ويفتقر هذا التيّار إلى الكفاءات والخبرات الحقيقيّة لإدارة شؤون الدولة ما اتّضح جليًّا في ممارسات مجلسَي الشعب والشّورى ومؤسّسة الرئاسة.

وعلى خلاف ما تحاول التيّارات المعارضة تصويره من أنّ هذا المعسكر كتلة واحدة، فإنَّ التحالفات في صفوفه تحصل في أوقاتٍ حرجة يشعر فيها أقطابه أنّهم كـ "إسلاميّين" مستهدفون في وجودهم. والحقيقة أنّه قبل أسابيعَ قليلة من هذه الأزمة، نزل السلفيّون - بالتزامن مع نزول بعض القوى العلمانيّة - إلى الشارع معارضين للدستور الجديد ناعتين إيّاه بـ "الدستور العلمانيّ".

إنَّ شعور الإسلاميّين برغبة الطرف الآخر في نفيهم وإقصائهم، يعزّز فيهم وحدتهم ويعمّق الشرخ والاستقطاب في المجال السياسيّ، فقد اصطفّ خلف الرئيس محمد مرسي في الأزمة الأخيرة حتى من يرفض الدستور من الإسلاميّين لأنّه لا يرى أنّ الشريعة أخذت حقّها؛ ويقف خلفه من يرفض وضع العسكر في الدستور؛ وتقف خلفه الدعوة السلفيّة التي انكشف أنّها كانت مستعدّة لإجراء تسويةٍ ما مع المرشّح الخاسر في الانتخابات الرئاسيّة أحمد شفيق، ما يعني أنّهم يشعرون بأنّهم مستهدفون في وجودهم وهذا ما يجمعهم الآن على الرّغم من كلّ خلافاتهم.

تنبع قوّة هذا المعسكر- كما أشرنا آنفًا - من قدرته على استمالة الريف والصعيد وقطاعاتٍ كبيرة من سكّان العشوائيّات وحشدها، فهذه الفئة السكّانية تشكّل غالبيّة الشعب المصريّ ولا يمكن تجاهل القوّة الرهيبة التي يملكها هذا التيّار، وربمّا يكون ذلك من الأسباب التي جعلت الطبقة الوسطى العليا والطبقة الغنيّة تنحاز إلى صفّ المعارضة مع صعوبة التّعميم. كما تُحسب لهذا المعسكر قوّة قياداته وقدرتها على توجيه جمهورها، فالاتّفاق مع قيادات المعسكر الإسلاميّ يعني إلى حدٍّ كبير الاتّفاق مع جمهورها، على العكس من جمهور المعارضة الذي يضمّ قطاعاتٍ كبيرة من الطبقة الوسطى وغير الحزبيّين، فالاتّفاق مع قياداته لا يعني البتّة الاتّفاق مع جمهوره.

لقد استغلّت جماعة الإخوان المسلمين والقوى الإسلاميّة جمهورها بفعاليّة، فوجّهته للتظاهر منذ إصدار الإعلان الدستوريّ. وكانت مليونيّة يوم الثلاثاء 27 تشرين الثاني / نوفمبر في ميدان نهضة مصر تتويجًا لاستخدام أداة التظاهر، وللردّ على الاعتصام المفتوح للجماهير المعارضة في ميدان التحرير. وسبق هذه المليونيّة تظاهر أنصار القوى الإسلامية أمام بعض مباني الدولة ومؤسّساتها وهيئاتها؛ مثل التظاهر أمام النيابة العامّة تأييدًا لعزل النائب العامّ، ومحاصرة المحكمة الدستورية في 2 كانون الأوّل / ديسمبر، ما كان له دورٌ أساسيٌّ في تعطيل التئام المحكمة ومنعها من إصدار قراراتٍ قد تمسّ الجمعيّة التأسيسيّة لصوغ الدستور أو مجلس الشّورى.

إن مشهد الحشود المستقطبة لموقفين سياسيّين وفكريّين هو أخطر ما في الأزمة المصريّة. فهي تهدّد المجتمع المصريّ بالتحوّل إلى جماعات هويّة، وعندها تصبح التعدّدية الديمقراطيّة القائمة على مبادئ دستوريّة متّفق عليها شبهَ مستحيلة. ولهذا، فإنّ المهمّة الأساسيّة هي تفكيك هذا الاستقطاب.

ثالثًا: تيّار الطريق الثالث

أفرز مشهد الأزمة الرّاهنة تيّارًا وسطيًّا ثالثًا يرفض الاستقطاب الإعلاميّ الجاري بين "المعسكر الإسلاميّ" و"المعسكر العلمانيّ". يضمّ هذا التيّار عددًا من الأحزاب النيو- إسلاميّة الداعمة لمدنيّة الدولة مثل "حزب مصر القويّة" بقيادة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، و"حزب الوسط" المنشقّ عن جماعة الإخوان المسلمين، و"التّيار المصريّ" الذي يتزعّمه مجموعة من الشباب الخارجين من عباءة الإخوان والذين شكّلوا في السابق ائتلاف شباب الثورة. ويضمّ هذا التيّار أيضًا عددًا من الأحزاب الليبراليّة، وعلى رأسها حزب "غد الثورة" بقيادة أيمن نور، إضافةً إلى مجموعةٍ من المثقّفين المستقلّين والقضاة وأساتذة الجامعات.

يرفض هذا التيّار - في مجمله - الإعلان الدستوريّ وإقرار الدستور دون توافق الكلّ، ولكنه يرى أنّ سلوك المعارضة الكلّية سلوكٌ غير مسؤول، ويعترض على وجود فلول النظام السابق بين صفوفها. وهو يبحث عن تسوياتٍ من خلال طرح المبادرات السياسيّة التي كان آخرها الدعوة للحوار التي أطلقها بعض قوى هذا التيار يوم الجمعة 7 كانون الأوّل / ديسمبر. وحاولت قوى الطريق الثالث القيام بدور الوساطة بين المعسكرين المتصارعين.

تكمن نقطة ضعف هذا التيّار - وبالخصوص حزب "مصر القويّة" وحزب "الوسط" - في خشيته من فقدان مناصريه بسبب مواقفَ قد تفهمها راديكاليّة الشارع المعارض على أنّها انحيازٌ للرئاسة المصريّة وللمعسكر الإسلاميّ. وفي المقابل، يتلقّى هذا التيّار انتقادات أقلّ حدّةً من المعسكر الإسلاميّ لعدم انحيازه المطلق له. وهذا التيّار - الذي طرح نفسه منذ البداية كحالةٍ وسطيّة في المجتمع المصريّ - متضرّرٌ جدًّا من حالة الاستقطاب.

ويحاول معسكر الطريق الثالث - قدر الإمكان - الهروب من تشكيك المعارضة بموقفه من الإخوان عبر اتّخاذ مواقفَ متشدّدة ضدّ الرئاسة وضدّ جماعة الإخوان المسلمين. لذلك، حرص رئيس حزب "مصر القويّة" عبد المنعم أبو الفتوح منذ البداية على التشدّد في نقد جماعة الإخوان المسلمين، وبالأخصّ قيامهم بفضّ اعتصام قصر الاتحاديّة على الرّغم من أنّ العدد الأكبر من القتلى كان من الإسلاميّين كما تبيّن فيما بعد. ولم تظهر انتقاداته بهذه الحدّة فيما يخصّ إحراق مقارّ حزب الحريّة والعدالة ومحاولة اقتحام قصر الاتحاديّة. وعلى الرّغم من ذلك، يعوّل الكثير من المحلّلين على هذا التيّار وضرورته لمصر في هذه المرحلة، من أجل أن يكون جسرًا بين المعسكريْن.


خلاصة

ما يجري في مصر هو نقاش مبدئيّ ضروريّ، بل ويمثّل مدرسةً في التحوّل الديمقراطي يمكن لبقيّة الدول الاستفادة من أخطائها وإنجازاتها. ولكنه تحوّل إلى صراعٍ حزبيّ قبل أوانه، إذ إنّ الثوّار لم يضعوا دستورًا بعد الثورة يعبّر عن توافقات ميدان التحرير وثورة 25 يناير، بل بدأ الصراع على الدستور بعد الانتخابات الأولى وبعد تبلور الحياة الحزبيّة المصريّة.

لقد تصرّف حزب الإخوان المسلمين كحزب أغلبيّة يحاول أن يوطّد مواقعه في الحكم بعد الانتخابات. ومع أنّ هذا السلوك مشروعٌ ديمقراطيًّا، إلا أنّه سلوك غير مسؤول وطنيًّا في مرحلة انتقاليّة لبناء الديمقراطية على أساس توافقات. وكان سلوك القوى التي تحوّلت مباشرة إلى معارضةٍ شاملة لكلّ ما تقوم به مؤسّسة الرئاسة سلوكًا تنافسيًّا محضًا. فوجود حزب أغلبيّة تواجهه معارضةٌ ترفض كلّ ما يقوم به، هو من مميّزات "مرحلة الديمقراطية"، وليس مرحلة "الانتقال إلى الديمقراطية". ففي مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، تتطلّب المسؤوليّة الوطنيّة أن تشارك التيارات الرئيسة المجتمعيّة والسياسيّة في بناء الديمقراطيّة وإنجاح المرحلة الانتقاليّة. والتوافق على دستورٍ ديمقراطي هو أحد معالم هذا النجاح. فيما لا يعدّ تمرير دستورٍ بأغلبيّة حزبيّة نجاحًا. فلا بدّ من تمرير دستور وإقراره بأغلبية أوسع بكثير من أغلبيّة تيّار سياسيّ، أي بضمان إشراك معظم القوى السياسيّة والاجتماعيّة الرئيسة وتوافقها. فالأغلبيّة الدستوريّة ليست الأغلبيّة السياسية، ويجب أن تكون أوسع منها.

ولذا، فإنّ ما ينقص مصر الآن هو إخضاع التنافس الحزبيّ المشروع والضروريّ والصحيّ لمقتضيات المهامّ الوطنيّة الكبرى، وعلى رأسها بناء الديمقراطية والاتّفاق على قواعدها.

إنّ أخطر ما في الصراع الحزبيّ الحالي هو سعي القوى السياسيّة المتصارعة لدفع الشارع والمجتمع نفسه إلى الاستقطاب بين معسكَرَيْن. هذا الفعل غير المسؤول للأحزاب هو في جوهره إجهاضٌ لشروط المرحلة الانتقاليّة وضرب للتعدديّة السياسيّة التي يمكن التأسيس لها فقط في وحدةٍ مجتمعيّة وفي نظام سياسيّ وقانونيّ متوافق عليه. إنّ مهمّة القوى التي تتحلّى بالمسؤوليّة في المجتمع المصريّ اليوم هي منع تحوّل هذا الصراع الحزبيّ إلى استقطابٍ في المجتمع والدولة عمومًا.



[1] على إثر تشكيل الجمعية التأسيسيّة، أقيمت دعوى أمام المحكمة الإدارية العليا للطعن في شرعيّتها وقد أجّلت المحكمة الإداريّة العليا النظر في هذه الدعوة عدّة مرّات (26 حزيران / يونيو، 4 أيلول / سبتمبر، 9 تشرين الأوّل / أكتوبر، 16 تشرين الأوّل / أكتوبر) وفي 23 تشرين الأوّل / أكتوبر أحالت المحكمة الإداريّة الدعوى إلى المحكمة الدستوريّة العليا والتي كان مقرّرًا لها أن تنظر في دستورية تشكيل الجمعية التأسيسيّة في 2 كانون الأوّل / ديسمبر، إذ كان من المرجّح أن تقوم المحكمة بحلّه لولا الإعلان الدستوري الجديد والمثير للجدل، ولولا حصار أنصار الإخوان المسلمين لمقرّ المحكمة.

[2] تشير مسوّدة الدستور في المادة 195 إلى أنّ "وزير الدفاع هو القائد العامّ للقوّات المسلّحة ويعيّن من بين ضبّاطها" ما يعني أنّ الإشراف المدنيّ على الجيش شبه معدوم. وأكّدت المادّة 194 على تشكيل مجلس أعلى للقوّات المسلّحة فيما تركت صلاحيّات هذا المجلس للقانون الذي ينظّمه. وأتاحت المادة 198 محاكمة مدنيّين أمام القضاء العسكريّ في الجرائم التي تضرّ القوّات المسلّحة. كما يسجّل الحضور القويّ للمؤسسة العسكريّة في مجلسي الدفاع والأمن القوميّ.

[3] هذا ما أكّده الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور في مقالةٍ له على "الفايننشال تايمز" البريطانية، إذ يقول: "وللمفارقة المثيرة أنّ الثوّار الذين أطاحوا بالرئيس السابق حسني مبارك يتلقّون الآن الدعم من أعضاء حزبه القديم، إذ اتّحدوا من أجل مواجهة "مشروعٍ إسلاميّ" غامض يسعى لتنفيذه السيد مرسي ومؤيّدوه".

Mohamed ElBaradei, "Morsi has left Egypt on the brink", Financial Times, December 3, 2012.

http://www.ft.com/intl/cms/s/0/247950f0-3b2f-11e2-b111-00144feabdc0.html#axzz2EYUYO7Ym

[4] انظر بهذا الخصوص الحوار الذي أجرته صحيفة "المصري اليوم" مع المستشار هشام البسطويسي، ونشر بتاريخ 23 تشرين الثاني / نوفمبر 2012، على الرابط التالي:

http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=361568

[5] يمكننا تلمّس "الحساسية التاريخيّة" في الحوار الذي أجرته صفحة "كلّنا خالد سعيد" مع المستشار طارق البشري، إذ رفض البشري الإعلان الدستوري وعدّه تغوّلًا في مؤسّسة القضاء، وطالب بأن يكون تطهير القضاء من داخله. ومعروف أن بعض تيّارات المعارضة تتّهم البشري بالانحياز للتيّار الإسلاميّ.

لقراءة الحوار على صفحة "كلّنا خالد سعيد"، اتبع الرابط التالي:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=491815294201673&set=a.104265636289976.2684.104224996294040&type=1

[6] يحلو لبعض الشباب المنتمين لهذه الحركات وصف أنفسهم بالـ"الأناركيّين"، والمقصود بهذا الوصف اتّخاذ الموقف مع تجاهل السياق السياسيّ والاجتماعيّ وتحالفات القوى القائمة، ما قد يجعلهم مادّة للاستخدام الأيديولوجي من جانب قوى أخرى.
انتهى
[b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأزمة المصريّة: مخاض الديمقراطيّة العسير .. خريطة القوى والتّحالفات في المشهد السياسيّ الجديد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأزمة المصريّة: مخاض الديمقراطيّة العسير .. الظّروف التي أنتجت الأزمة
» الأزمة المصريّة: مخاض الديمقراطيّة العسير .. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
» عزمي بشارة يحلل المشهد المصري
» عرض الكيماوي «الافتراضي» يربك المشهد السوري
» الهيمنة الصهيونية على الولايات المتحدة الأمريكية .. مثلث القوى الصهيوني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الحرية والتقدم  :: Votre 1ère catégorie :: Votre 1er forum :: مصر-
انتقل الى: