عتبات الكلام : ثلاث صور لزمن واحد

[

center]الاثنين 04 فيفري 2013

عتبات الكلام :

[color=red]ثلاث صور لزمن واحد[/color]

نصر الدين لعياضي

وصل صديقنا إلى قاعة تحرير التلفزيون الجزائري على الساعة الواحدة بعد الزوال، يوم 20 سبتمبر .1988 ووجد مدير الأخبار في طريقه، فبادره بالقول: إن الفريق التلفزيوني في انتظارك لتسجّل انطباعات الناس عن الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية ليلة البارحة. لقد اعتقد البعض أن هذا الخطاب كان الفتيل الذي أشعل أحداث 5 أكتوبر. حاول صديقنا التملص من هذه المهمة، بدون جدوى، بحجة أنه لم يسمع هذا الخطاب أصلا. فاتجه، عن مضض، إلى الجامعة المركزية لعله يجد معارفه من ''الطلاب الأبديين'' ليسجل لهم بعض الكلمات المادحة. وبعد هذه الجولة أدرك أن ما سجله لهؤلاء لا يبث في التلفزيون الرسمي. وكاد يفقد الحيلة لولا سائق السيارة الذي اقترح عليه التوجه إلى حيه السكني. فهو يعرف سكانه ويحترمونه ولا يردون له طلبا. وارتأى صديقنا التوقف قليلا في رياض الفتح قبل أن يصل إلى الحي السكني المطلوب. واتجه مع المصور إلى ساحته لعله يظفر بمن يرضى الحديث للتلفزيون. لكن ظنه خاب أو كاد. فكلما اقترب من أحد المتجولين وأخبره بمهمته صدّه بلين تارة، وخشونة طورا. وإذا بشاب يندفع نحوه بخطى واثقة، ويخبره أنه يرغب في الإدلاء برأيه في الخطاب المذكور. فبدأ في الحديث وكأنه ينشد أنشودة قائلا ما معناه: نشكر فخامة رئيس الجمهورية على هذا الخطاب التاريخي الذي جاء في وقته ليصحح المسار. ويرسم الطريق لجيلنا الذي يعد خير خلف لخير سلف. لقد وضع خطابه اليد على الصعوبات الأساسية التي تعيق تطور بلادنا. وما علينا سوى أن نهب هَبة رجل واحد ونتحمل مسؤوليتنا التاريخية...وقف صديقنا فاغرا فاه لفصاحة الشاب. وشكره بحرارة. وقبل أن ينتقل للعثور على غيره سأله قائلا: هل تابعت الخطاب المذكور؟ فرد الشاب بالنفي، وأوضح موقفه بلهجة عاصمية: ''اسمع يا خو أنتم تريدون الكلام الذي قلته وأنا أريد الظهور في التلفزيون حتى يشاهدني أبناء الحي!) لقد أدرك هذا الشاب بعفويته أن التلفزيون الجزائري لا يريد أن يسمع سوى صدى صوته.
الصورة الثانية
كان صديقنا مغرما بالأدب يكتب الخاطرة والقصة، وفي بعض المرات كلاما يسميه زورا شعرا. ويرسل بين الحين والآخر ما يكتبه إلى القسم الثقافي بجريدة الجمهورية العراقية فتنشر بعضه. انتشاه الفرح، ذات مرة، لمّا وقف أمام رئيس القسم الثقافي الذي طلب منه الالتحاق بالصحيفة كمتعاون. ثم أصبح صحفيا دائما بعد تخرجه في الجامعة. وواظب على الكتابة في القسم الثقافي متمنيا البقاء في الجريدة لولا الذي حدث. لقد خاطبه رئيس التحرير ذات ظهيرة قائلا: لا يوجد في الجريدة سواك، فعليك التوجه حالا رفقة المصور إلى مقر حزب البعث. أراد صديقنا أن يعتذر لكن كلام رئيس التحرير أوامر. فاتجه إلى المقر المذكور، ودوّن ما شاهده و سمعه وتكرر ذكره مثل إنشاء مركز لوثائق الحزب جاء بناءً على اقتراح من ميشال عفلق حتى لا يتلف أرشيف الحزب أو يُطاله الإهمال. وفي اليوم التالي استدعاه شخص عسكري ادعى أنه مسؤول الأمن في الحزب، واستقبله بغضب قائلا، والجريدة بيده: ''ماذا تقصد بالجملة التالية، وأخيرا اهتدى حزب البعث إلى فكرة الحفاظ على أرشيفه؟من تكون أنت حتى تحكم على ما تقوم به قيادة الحزب؟ أحمد ربك أن لا شيء في ملفك يشي بسوء نيتك وإلا... خرج من مقر الحزب مرعوبا بعد أن التزم بعدم نشر أي شيء عن الحزب إلا بعد عرضه على الشخص الذي استدعاه. وفي اليوم الموالي قدم استقالته من الجريدة. لقد أدرك صديقنا أن القوم الذين يتحدثون عن الجماهير لا يريدون أحد يتحدث سواهم!
الصورة الثالثة
ترك صديقنا صحيفة الجمهورية وهاجر إلى بلد مجاور للعراق. فعيّن رئيس تحرير مجلة غرفة التجارة والصناعة بهذا البلد بعد مسيرة شاقة. وذات مرة استدعاه مدير الغرفة ليطلب منه إعداد ملف عن الصيد البحري. وطلب منه صياغة الأسئلة التي تُطرح على الوزير المعني. فكتب صديقنا الأسئلة وسلمها إلى مديره. وأرسلها هذا الأخير إلى ديوان الوزير. فكلف الوزير رئيس ديوانه للرد عليها. لكن هذا الأخير حوّلها إلى الأمين العام بالوزارة الذي وجهها بدوره إلى مدير الثروة السمكية. قرأ هذا الأخير الأسئلة وأعاد إرسالها إلى مدير الغرفة المذكورة. وأخيرا، عادت الأسئلة إلى صديقنا فأجاب عنها. وأخذت الإجابة المسار ذاته لتحط فوق مكتب الوزير الذي لم يجد الوقت لقراءتها فوافق على نشرها. وهكذا تحولت المقابلة الصحفية مع الوزير إلى '' مونولوج'' صحفي. لقد أدرك صديقنا أن القوم لا يريدون الحديث، بل يريدون شخصا يجري حوارا مع ذاته بلغتهم!

المصدر : http://www.elkhabar.com/ar/autres/makal/321370.html[/center

]

» عتبات الكلام مزاج القارئ
» عتبات الكلام إنهم يخطئون في الحساب لـــ: نصر الدين لعياضي
» عتبة الكلام .. الحروف المدفوعة مسبقا .. تصر الدين لعياضي
» شاهد بالفيديو والصور ثلاث سيدات في عملية سرقة محل مجوهرات
» عتبة الكلام الميديا وعبادة الجمال : نصر الدين لعياضي ـ Malika Mabel ـ