عتبات الكلام
هل يظل الاستثناء استثناءً؟
الاثنين 04 مارس 2013 نصر الدين لعياضي
في الحديث عن الأزمة التي تعيشها الصحف الورقية في العالم تُستثنى، في الغالب، تلك التي تصدر في المنطقة العربية والدول الصاعدة، مثل الهند والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا.
ويعتقد البعض أنه استثناء مؤقت لأن الأزمة قادمة لا محالة، ولا تفلت منها أي صحيفة في العالم ما لم تتكيف مع البيئة الإعلامية الجديدة.
والسؤال عن مصدر الصحة التي تتمتع بها جل الصحف الورقية في المنطقة العربية، قد يفضي إلى إجابات متعددة وحتى متعارضة. فالبعض يؤكد أن ما تعيشه المنطقة العربية من أحداث دامية ومأساوية واحتقان سياسي، أدى إلى زيادة الإقبال على ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة ورفع عدد قراء الصحف الورقية. والبعض يرى أن الصحافة ازدهرت بحرية التعبير التي تمتع بها في هذا البلد العربي أو ذاك، بهذا القدر أو ذاك. فهذه الحرية شجعتها على رفع المستور على ممارسة السلطة أو السياسية، ناهيك عن كشف الفساد واستغلال النفوذ. وفسر البعض الآخر الصحة التي تتمتع بها الصحف الورقية بتواضع نسبة استخدام وسائط الاتصال الحديثة في بعض الدول العربية، أو لكونها لم تصل بعد لتهدد وجود هذه الصحف في الدول التي تشهد ارتفاع نسبة استخدام هذه الوسائط.
ولا يرى البعض أي علاقة بين الوضع المالي الجيّد للعديد من الصحف في المنطقة العربية وعدد قرائها، لأنهم يعزونه إلى ارتفاع عائدها المالي من الإشهار. فإذا ثبت هذا الأمر، فالخشية كل الخشية أن تلقى الصحف الورقية في المنطقة العربية، آجلا، المصير ذاته الذي تواجهه الصحافة الفرنسية اليوم. فهذه الصحف راهنت كثيرا على الإعلان وفرطت في القراء. ففي الوقت الذي كان توزيع الصحف الفرنسية يتراجع نتيجة سوء التنظيم وتدهور وضعية الموزعين الذين غادر الكثير منهم المهنة، كانت الصحف تنفق أموالا طائلة في سبيل توسيع المطابع وعصرنتها قصد رفع سحبها! لقد انتقلت ملكية الصحف في فرنسا من يد أصحاب المهنة والعائلات ذات العلاقة التاريخية بالصحافة، إلى رجال المال والأعمال الذين اعتقدوا أن الجريدة سلعة مثل بقية السلع، دون التفكير في القراء! ولم يعوا أن الصحافة سلطة مضادة، بعد أن جعلوها سلطة تعزز نفوذهم في مجال صناعة القرار وتصفي حساباتهم مع خصومهم السياسيين، على حد تعبير مدير صحيفة ''لوموند'' السابق.
ربما سيكون مصير الصحف الورقية في المنطقة العربية أخطر من مصيرها في فرنسا، والسبب في ذلك لا يعود للمراهنة على الإشهار التي تعد ضربا من المجازفة، لارتباطها بالوضع الاقتصادي في كل بلد وبسياق الاقتصاد العالمي، بل يرجع إلى أن الإشهار في المنطقة العربية ينمو في ظل فراغ قانوني، ويخضع لمنطق سياسي وإداري أكثـر من امتثاله لمنطق السوق وعدد توزيع الصحف الذي تؤكده هيئات مستقلة عن السلطة التنفيذية وإدارة الصحف.
ربما يعتقد البعض أن كل العوامل المذكورة آنفا لا تفسر أزمة الصحافة في العالم، وذلك لأن هذه الأخيرة فقدت احتكارها لمجموعة من الوظائف التي كانت تقوم بها، وهي الإعلام والترفيه والتثقيف، فهناك العديد من المؤسسات والوسائط التي أصبحت تضطلع بهذه المهام إن لم تكن كلها. وهذه حقيقة لا يمكن القفز عليها، بيد أن الصحف العربية تنازلت عن بعض هذه الوظائف منذ عقود، خاصة وظيفة التثقيف، نتيجة وقوعها فريسة الإعلان أو الدعاية الفجة التي تعتبر السياسة مصدرا للثقافة وليس العكس. ولتأكيد ذلك نكتفي بمثالين: المثال الأول يتعلق بما بعد الإعلان عن استقالة بابا الفاتيكان. فكل الصحف العربية خاضت في أمر هذه الاستقالة، لكن ما هي الصحف التي أنارت القارئ بمعلومات عن كيفية انتخاب البابا؟ ومن ينتخبه؟ وكيف يتم الانتخاب؟ وما الفرق بين الدخان الأبيض والأسود الذي يعلو مقر الفاتيكان أثناء كل عملية انتخاب بعد شغور المنصب الباباوي؟ وكيف يصبح الدخان أبيض اللون؟
والمثال الثاني يتعلق باهتمام كل الصحف العربية، تقريبا، بموضوع النزاع المسلح في مالي، وتبعاته على استقرار المنطقة. وبعضها استعان بخبراء في المجال الجيواستراتيجي والمسائل الأمنية، فلاكوا أسماء حركات إسلامية مسلحة، مثل أنصار الدين والتوحيد والجهاد وأنصار الشريعة. لكن ما هي الصحيفة التي توقفت عند هذه التنظيمات لتشرح للقارئ الامتداد الجغرافي لكل حركة، لتبيّن له بنيتها العرقية والاجتماعية والثقافية، وتداخل نسيجها مع سكان جنوب الجزائر والمغرب وليبيا وشمال النيجر وموريتانيا؟ فرغم ما يُقال عن تعدد مصادر الأخبار والمعلومات وتنوع وسائط نقلها وتزايد سرعة بثها، إلا أننا نعتقد أن الصحف في المنطقة العربية مازالت أسيرة وكالات الأنباء العالمية وأجندتها التي تفرضها الأهواء والمصالح.
المصدر : http://www.elkhabar.com/ar/autres/makal/325445.html