منتديات الحرية والتقدم
مرحبا بكم في بيتكم سعدنا بحضوركم ويكون سرورنا أكبر لو تكرمتم بمرافقتنا في هذا الفضاء الذي يمكنه الرقي والازدهار بمساهماتكم
منتديات الحرية والتقدم
مرحبا بكم في بيتكم سعدنا بحضوركم ويكون سرورنا أكبر لو تكرمتم بمرافقتنا في هذا الفضاء الذي يمكنه الرقي والازدهار بمساهماتكم
منتديات الحرية والتقدم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الحرية والتقدم

هذه المنتديات فضاء حر جاد للمساهمات الفكرية ولمختلف أشكال التعبير ذات الاهتمام بموضوع الحرية وارتباطه بالتقدم والرقي في ظروف إنسانية كريمة متنامية ومتواترة الازدهار دون هوادة *** لا يعبر ما ينشر في المنتديات بالضرورة عن موقف الإدارة وهي ليست مسؤولة عنه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

النظام العالمي الجديد يبرز بسرعة إلى الوجود

الشرق المتكون من روسيا القوة العسكرية الأولى في العالم ... الصين القوة الأولى الاقتصادية والتجارية حاليا .. النمور الآسيوية المتوثبة الصاعدة بسرعة ... مجموعة البريكس بصفة عامة ... أطراف أخرى متعاونة

 

 لئلاّ تمسخ الديمقراطية إلى معبرٍ لإغتيالها .. غريغوار مرشو

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد المالك حمروش
المدير العام
المدير العام
عبد المالك حمروش


عدد المساهمات : 2175
تاريخ التسجيل : 10/06/2011
الموقع : منتدبات الحرية والتقدم

لئلاّ تمسخ الديمقراطية إلى معبرٍ لإغتيالها   ..  غريغوار مرشو Empty
مُساهمةموضوع: لئلاّ تمسخ الديمقراطية إلى معبرٍ لإغتيالها .. غريغوار مرشو   لئلاّ تمسخ الديمقراطية إلى معبرٍ لإغتيالها   ..  غريغوار مرشو Emptyالإثنين مارس 18, 2013 6:00 am

لئلاّ تمسخ الديمقراطية إلى معبرٍ لإغتيالها   ..  غريغوار مرشو Mondiplo_Header

العالم العربي > آذار/مارس > 2013


غريغوار مرشو


لئلاّ تمسخ الديمقراطية إلى معبرٍ لإغتيالها

لاشك أنّ ما حدث من منذ عقدين ونيّف من تحولّات بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وما تبعها من دعاوي للنظام الدولي الجديد وخاصّة بعد حرب الخليج الثانية، وما سبقها من متغيّرات لوسائل الاتصال والعلم والكشوفات في حقول المعرفة، كانت كلّ هذه بمثابة انقلابٍ زلزاليّ واسع النطاق أطاح بكثير من البداهات والقناعات العقائدية المحكومة بنظام الحزب الواحد. لكن هذه المظاهر ترافقت أيضا مع حملات احتفاء وتهليل إعلامي بالديمقراطية وعولمتها من قبل الليبراليين والمحافظين الجدد، على خلفيّة أنّها نذيرة بتجريف معاقل الديكتاتوريّات وتجفيف منابع الإرهاب المعوَّم والمرموز له بالإسلام كبديلٍ عن إمبراطورية الشر الشيوعية. الإشكالية هنا هي كيف تمّ تلقّي هذه التحولات والتعامل معها؟ وكيف جرت الردود عليها؟ وما هي السبل للخروج من دور المنفعل إلى الدور الفاعل فيها؟

استبطان الصورة النمطيّة وكيفيّة التعامل معها


بعد نهاية الحرب الباردة، تمّ من قبل الترسانة المعرفية الاستشراقيّة تعميم مقولة أن الإسلام دين وثقافة وحضارة هو على تضاد مع العقل والحداثة والتحديث، كونه لا ينهل معارفه إلاّ من الوحي النبوي، وأنّه يحمل في بنيته بالذات بذور العنف والإرهاب. هذا يذكّرنا بما كانت تدان به الشيوعيّة سابقاً بالشيطان أو بمحور الشر. ثم تمّ تظهير المسلمين في وسائل الإعلام الغربية على أساس أنّهم من الشعوب المنحطّة التي لا تستطيع أن تعي ذاتها إلاّ بوعيٍ مستجلب من الخارج، ولا تستطيع أن تحكم ذاتها أو تستغلّ قدراتها وثرواتها وخيراتها؛ لذلك لا بدّ من "مستبدّ عادل" أو حاكم متسلّط يحكمها بالحديد والنار. ولا بدّ لهذا الاخير من الاستقواء بمستغِلّ خارجيّ حليف، يعينه على تثمين هذه الثروات المهدورة. هذه الصور النمطية وغيرها تمّ استبطانها والتعامل معها من حيث كونها بداهات ضامنة للاستحواذ على السلطة وإحكام السيطرة على المجتمع.

أدّى تكريس الوضع على هذا النحو في نهاية المطاف إلى إرضاخ أو تدجين شريحة كبرى من الناس إلى تسليم مصيرهم لأعاصير الأقدار وأنياب التفقير والاستنجاد بالأولياء والقديسين والسلف الصالح والدين. الأمر الذي حدا بالمستبدّين المتعولمين إلى تسويغ القول: "شعب محكوم كهذا يحتاج إلى حكّام كهؤلاء". وفي الواقع إنّ تدجين كهذا، بالإكراه، هو الذي مهًد ولا يزال يمهّد البيئة لقابلية الاستعمار. ثم ما جرى ويجري اليوم في ميادين بعض الدول العربية، من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها، ألا يصبّ بالاتجاه نفسه حينما تعجز القوى المستتبعة الحاكمة عن إحكام قبضتها على مقاومة المجتمع، فتستقوي بالخارج لحصارها وضربها حتّى لو كان عدوّاً تقليديّاً (الكيان الاسرائيلي)؟

ضمن هذا المنظور، كان التفكير في تقنية الوصول إلى الاستيلاء على مقاليد الدولة هو الهاجس المؤرق لدى القوميّ والماركسيّ والإسلامويّ الإخواني على السواء. وتبعاً لذلك ليس من قبيل المصادفة أن تراكم حيل معرفية حول أساليب الانقلاب العسكري تحت شعار "الثورة" أو "الجهاد" ضد الأمّة المكفَرة، وأن يراكم أيضاً جهازٌ من المفاهيم حول السيطرة والهيمنة والاستبداد والاستكبار وحول موازين القوى... أي بصريح العبارة، لقد تحوّل علم السياسة تدريجياً إلى علمٍ عسكريّ، حيث يكون التعلُم فيه هو كيفية اقتناص السلطة بمماهاتها بالغنيمة.

لا شكّ في وضعية كهذه أنّه بات من الطبيعي ألاّ تستقيم إمكانية الثقة بين الدولة والمجتمع والتفاعل البنّاء فيما بينهما؛ لأن هذا مرهون باحتياج كلّ منهما للآخر لإعادة إنتاج نفسه كي يستمرّ؛ وذلك من خلال تغيير قواعد ممارسة السلطة داخل الدولة، وداخل المؤسّسات الأهلية، حتّى الاسرة. والتذكير من جديد بذلك لأنّ كل ما اعتيد على ترسيخه في السابق من نظام التلقين وعبادة الشخصية والهوس بالشعارات الجوفاء والرقابة على الضمير والمعاقبة المشدّدة على حرية الرأي وفرض المعتقدات، بالإكراه، هو الذي يجبر الأفراد، ضمن هذا الاحتقان، على الخضوع والانخراط في لعبة الغش والتدليس والكذب والممالقة والتحايل والمخادعة... بحيث يكون فنّ التشاطر فيها هو إتباع سلوكية ازدواجية لاأخلاقية، تنتهي إلى ثنائية الرشوة والارتشاء المدمرتين لشراء الحقوق أو المناصب، ما يؤدّي بالنتيجة إلى بعث الفوضى والإضطراب وتأجيجهما، وتآكل أواصر التعاضد والتواصل والثقة، إلى أن يضطرّ كلّ فرد إلى التفتيش عن خلاصٍ لنفسه على حساب أخيه في الإنسانية، وحتّى يفضي به المآل إلى كسر حواجز الخوف بالانتفاض عبر التعاضد مع الآخرين.

بين المراهنة على الخارج والانتفاض عليها


تبدّت المراهنة على الخارج من قسمٍ كبيرٍ من النخب العربية، سواء الليبرالية منها أو ذات الأصول اليسارية المحسوبة سابقاً على القوى التقدميّة، بعد سقوط المنظومة الاشتراكية. وذلك بالاتكاء على رياح الليبرالية الجديدة وما تحمله من شعارات دحر الديكتاتوريّات والاستبداد واستغراس الديمقراطية لدى الشعوب المقهورة، حتّى لو تعذّر استيلادها محلياً، لفترةٍ ما، لابد من استجلابها على ظهور الدبابات (في العراق) أو الطائرات (في ليبيا) أو المليشيات المدجّجة بالسلاح والمزوّدة بسيل من الأموال الخليجيّة (في سورية وغيرها). والمفارقة الكبرى أنّ الدول المحسوبة على الخط الاعتدالي المحافظ لم تتوانَ عن الاستنجاد بنفس القوى الليبرالية المحافظة الجديدة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لتثبيت سلطاتها المتسلطة وحماية نفسها من غضب شعوبها أو من دول الجوار (لا من الكيان الاسرائيلي الغاصب)، تمهيداً لعودة الاستعمار من جديد وتوطين قواعده العسكرية، فضلاً عن التطبيع العلنيّ أو السريّ مع هذا الأخير، بعد الحديث المكرور عن استقلالاتنا وفكّ الارتباط مع الاستعمار. بذلك صارت الأوطان معروضة للمزاد بذريعة تشجيع الاستثمار وحرية المبادلة واقتصاد السوق التنافسي، وتحت راية زمن استعمار قد ولىّ وعصر عولمة قد حلّ .

إلاّ أنّ هؤلاء المراهنين قد نسوا، أو بالحري تناسوا، كيف مدّ رواد النهضة والإصلاح في الماضي يدهم إلى المستعمِرين القدماء حينما كانوا على الأبواب يمارسون ضغوطاتهم وتدخّلاتهم السافرة في شؤون البلاد بغية استيلاد دولٍ وهيكلتها بعد اتفاقية سايكس-بيكو تحت الاحتلال أو الانتداب. كما لا يزال هؤلاء أيضاً أسيري الملاحظة الخارجيّة لشعوبهم والنظرة التي تظلّ مفصومة عن الواقع، والتي لا تدرك سوى الظواهر الساكنة العائمة الخادعة؛ وهي في الحقيقة مشكلة الباحث ذي النظرة المشيئيّة للإنسان، أي انعدام التعاطف الوجداني مع هذا الأخير الموسوم بالتخلف - موضوع البحث - والنظر إليه باعتباره سلعة استعماليّة ليس إلاّ. هكذا لم يتمّ الغوص في وجدان الشعوب المستتبعة كي يتمّ تلمّس بذور التمرد والانتفاضة التي تنمو في أحشائها بصمتٍ بطيء، ولكن بشكلٍ أكيدٍ وحتميّ. وهذا ما حدث في بداية عام 2011، حينما حانت لحظة انتفاض المكبوت وانفجرت الطاقات التغييرية، وفاجأت أول من فاجأت الفئة الحاكمة المستحكمة ونخب قيادية مثقّفة تقليديّة في المعارضة، داخلياً وخارجياً. وتجاوزت هذه اللحظة في مداها تصوّرات أكثر الملاحظين الخارجيين تفاؤلاً. وهذا ما لحظناه سابقاً ولا نزال بشكلٍ بارز في المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقيّة وغيرها من المقاومات التي حاولت الإدارة الامريكية الشمالية وحلفاؤها مسخها بعد حادثة 11 أيلول/سبتمبر إلى ظاهرة إرهابية بهدف تسويغ إسكاتها، وتنصيب الكيان الاسرائيلي على أن يكون القاعدة العسكرية الحربيّة الدائمة المسلَّطة على تصفيتها، بالتعاون مع الحليف العضويّ الأكبر الأمريكيّ ومن يدور في فلكه من حلفاء غربيين أو وكلاء محلّيين في المنطقة .

الإسلام بين المهادنة والمعاداة والتوظيف


اعتمدت الولايات المتحدة الامريكية منذ فترة طويلة مهادنة الإسلام بصيغته الفقهية الأصولية الوهابيّة، خاصّة بعد تأسيس المملكة العربية السعودية سنة 1925 على أن تكون الحصن الإيديولوجي في مواجهة المدّ الشيوعيّ السوفياتي والمدّ القومي العربي الوحدويّ، بشقيه الناصري والبعثيّ، ودول عدم الانحياز إبّان الحرب الباردة. وتبلور هذا التوجه سياسياً عبر تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي في مواجهة جامعة الدول العربية (صنيعة بريطانيا آنذاك تعويضاً عن التقسيم السايس-بيكوي 1916). ثم تمّ توسّل الإسلام السياسي بصيغته التعبويّة الأصولية على شكل تجنيد مجاهدين عرب وباكستانيين وأفغان لخوض حربٍ جهاديّة ممثّلة بتنظيم القاعدة ضد الغزاة السوفيات الكفار، بتغطيةٍ رسميّة عربية وغربية.

وفي الحقيقة لم تتسارع وتيرة تلك الحملات إلاّ بعد هزيمة 5 حزيران 1967 والحرب التحريكيّة (1973) ضد إسرائيل، التي انتهت باتفاقيتيّ كامب ديفيد ووادي عربة، مع الأولى من جانب النظام المصري والثانية من جانب النظام الأردني. وما تبعهما من اتفاقيات تكبيلية تطبيعيّة، سواء علنيّة أو صامتة مع الكيان الاستيطاني، لم تكن سوى بداية العدّ العكسي لسلسلة من التراجعات عن الخط الوطنيّ والقومي العربي .

إلى جانب هذا المسار، كان ثمة مساران آخران توسلا الإسلام السياسيّ: الأوّل وظّف محلياً، بوجهيه الإخوانيّ والسلفي الجهادي، من قبل الدول المحافظة الوكيلة لمجرّد زعزعة استقرار بعض النظم الجمهورية المحليّة التي كانت محسوبة على المدّ الليبرالي أو القومي. لكن هذه النظم- التي سقط بعضها وبعضها الآخر آيل إلى السقوط - حاولت استخدام العودة إلى السلفية المتشدّدة والمكفِرة، بالضبط، كفزّاعة تسوِّغ بها مصادرتها للإرادة الآيلة إلى المجتمع المدنيّ على اختلاف أطيافه من جهة، وتبرّر من جهةٍ أخرى استقالتها عن القيام بمسؤولياتها في التنمية الاجتماعيّة والاقتصادية ولاستتباب الحريّة والمساواة في المواطنة في إطار العيش الكريم ولافتراش العدالة لأفراد المجتمع. هذه الاستقالة عن كلّ ذلك هي التي جعلت أمن الأوطان وسياداتها بدون تحصين، وتحريرها من عدوٍّ غاصب فاقد لكلّ جدية في التحضير، والكلام المفرط حول الممانعة أو المقاومة لا يشي إلاّ بتمويه عن تقصير في تحمل المسؤوليات الذاتية وحسن التدبير.

أمّا المسار الثاني فقد تمّ توظيف الإسلام جيواستراتيجيّاً، بعد قيام الثورة الايرانية (1979)على أساس أنّ الصراع مذهبيّ وإتني بين الهلال السني العربي والهلال الشيعي الفارسي المارق (مثلما حصل عبر النظام العراقي ضد خصمه الإيراني من خلال حرب عبثيّة استنزفت الطرفين لمدة ثمانية سنوات). لكن بعد نهاية الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفياتي، انقلبت الأمور رأساً على عقب، إذ تمّ تسويق فكرة الخطر الإسلامي كبديلٍ عن الخطر الشيوعيّ. وما جاء من كتابات كثيرة أكاديميّة وإعلامية غربية؛ وما ورد في كتاب صامويل هنتغتون الشهير (صدام الحضارات) من تضخيم هذا الخطر البديل، لن يكون إلاّ من قبيل الحملة الترويجيّة على قاعدة الصورة النمطيّة السابقة التي تعود إلى رواسب عصر الحروب الصليبية. وكان الردّ على هذا التحول بعمليات إنتقامية إرهابية على بعض السفارات الأمريكية، إلى أن انتهت بعملية مدويةّ تجسدت بحادثة البرجين (11 أيلول/سبتمبر 2001).

تندرج هذه الحملة بالطبع ضمن احتياجات العولمة التي تسعى إلى تسييد نموذج أحاديّ مركّب على قاعدة مسيحيّة-يهودية، واحتقار ما عداه لكون الإسلام يشكل تهديداً لامتداده الحضاري وتوسّعه الإمبراطوري السابق وعداءه لزحف الحداثة. بذلك صار حلفاء الأمس القريب (الجهاديين التكفيريين)، الممثّلين بتنظيم القاعدة، أعداءاً محتملين أو افتراضيين أو فعليين. وضمن التوجّه المعولم لهذا التنظيم يصبح الأمريكيون على أهبّة الاستعداد للحلول في كلّ مكان يحلّ فيه، تحت شعارات تجفيف منابع الاستبداد والحرب على الإرهاب واستغراس الديمقراطية في إطار ما يسمّى "الحرب العادلة" أو "الفوضى الخلاّقة". وفي الحقيقة لم تكن تلك الدعوات سوى سيوف ابتزاز مُسلطة على الأنظمة القائمة المستتبعة من أجل تشريع التدخلات وانتزاع أكبر قدرٍ ممكنٍ من التنازلات، ولتأمين أمن الكيان الاسرائيلي الاستعماري والتمهيد - إذا إقتضى الأمر - للإطاحة برؤسائها أو لتقسيمها كما حصل في السودان، أو احتلالها واعادة تقسيمها كما يحصل في العراق، وما يمكن أن يحصل في بلدانٍ عربية أخرى، أو لفرض الحماية الأمنية على بعض هذه النظم للحفاظ عليها وإعادة توطين قواعد عسكرية فيها، كما هو الحال في الخليج.

كيلا تكون الردود على التحديات دونية


إنّ الرد على هذه التحديات لا يشفع لنا الهرولة إلى تقديم شهادات حسن سلوك للتبرؤ من تهمة الإرهاب الموجهة إلينا، وإلى موروثنا الثقافي تخصيصاً، ثم إسقاطه بالإطلاق على الآخر الخارجي الذي يكيل بمكيالين, وإنما كان الأمر يستدعي من الدول العربية، لامتصاص العنف الكامن والمعلن في مجتمعاتها، القيام مشتركة بمبادرة التصالح والتعاون والتعاضد مع شعوبها، والاستقواء بها عبر تفعيل القوانين العادلة الناجعة واجتراح ما يكفل ويعزّز تطبيقها بالتساوي على جميع المواطنين. كلّ ذلك كي تكون العنصر الضامن والوازن والفاعل ما بين الواجبات والحقوق في إطار المواطنة الحقّة. بذلك كان بالمستطاع أن تتمكّن البلاد العربية والإسلاميّة من الخروج من موقع المنفعل والضحيّة المستجدية الدائمة لتدخل "الشرعية الدولية" عبر موقع الفاعل لإحتلال مكانة تليق بنا كبشر وكفاعلين على الساحة الدولية. لأنّ صحّة أيّ مجتمع ونماءه وتطوره، كما حيويته وقوّته وتحصين أمنه ومنعته، تكمُن في مدى تحّرره من المفاهيم الجبريّة القهريّة التي تُكبله، وفي مدى حيويّة فكره ويقظة وعيه، وقوّة طاقاته وحسن توظيفها. لأنّ قوّة المعرفة وإنتاجها هما أساس اقتدار المجتمعات. ولأنّ درجة الوعي ويقظته هما الضامن لنفاذ الرؤى وفاعليتها واتساع أفقها، لاستيعاب الحاضر وقضاياه، واستشراف المستقبل ومتطلبات صناعته. وإلاّ ما نفع القسم الأعظم من النخب "الطليعية" (!)، وكذلك التقليديّة، التي تتصدّر قيادة المعارضات أو الانتفاضات اليوم؟ إذا كانت - عدا عن أنّها مشرذمة وملتبسة في برامجها التغييرية المتضاربة - لا تملك الحد الأدنى من هذه الميزات، لا بل كانت تشكّك في قدرة الشعوب على الانتفاض بذريعة تخلّفها ولا حيلة لتحريكها إلاّ بالاعتماد، في الأغلب، على الخارجيّ الذي كان هو بالأساس وراء تكريس تخلّفها بمعيّة حكام الداخل وطغيانهم. لعلّ هذا من بين الأسباب الأساسيّة التي تجعل الحراك الاجتماعيّ للانتفاضات يعاني مساره الحاليّ من عراقيل تحول دون إنضاج وتيرة صعوده وتقدّم انتصاره، مما يعطي للطرف المناهض، الممثل بالسلطة الحاكمة، المشروعيّة الوجاهيّة في قمعه وشلِّه والبطش بأصحابه.

ضمن هذا السياق، ألم يصبح من البداهات أنّ المجتمعات التي تُقصِّر أو تفشل في توظيف طاقاتها البشرية الحيّة، تتقهقر إلى مواقع الشعوب الخارجة عن التاريخ، أي في حكم المستغنى عنها؟ وألم يصبح من باب تحصيل الحاصل أن تُستباح الشعوب والأمم المستضعفة، وتسليعها هي وخيراتها وثرواتها من قبل القوى المهيمنة المتجبّرة في الارض، حينما تتولّى نخب الداخل المرتهِنة لهذه القوى إغتيال أسباب ممانعتها ومقوّمات صمودها ومقاومتها وتفكرها في وجودها نتيجة تركها عرضةً للافتراس بأنياب الفساد والإفساد والإفقار؟

بناءً على ما تقدّم، من العبث إعادة الرهانات على السياسة الناعمة للإدارة الامريكية بقيادة باراك (حسين) أوباما، بحجّة كونه يتميّز بسواد جلدته وأصله الإسلامي، أنّها سوف تعوّض عن الإحباط والمآسي الذين سببهما سلفه (جورج بوش الابن). وفي الواقع لقد جاءت هذه الرهانات الهشّة لتكذّبها وقائع الأحداث، وتفضح وعوده الواهمة والمفخخة لأنّ الاستراتيجيات المحكومة بمؤسّسات لا تتبدّل بتبدل الأقنعة ولا بتغيير لون الأداء.

من هنا، لا أمل يضمن الخروج من المآزق التي تطحن المناطق المأزومة والشعوب التوّاقة للحريّة والديمقراطية والحياة الكريمة إلاّ بمواقف تُخطط بالمقابل لاستراتيجيات عادلة تحدّ من احتمالات تزايد تفجير الحروب على نحوٍ أشد خطورة وأكثر دماراً ممّا شهدناه إبان الحروب الباردة. وما بدا يذر بقرنه اليوم من مؤشّرات للسياسة الناعمة يشي بما نقول من تحضيرات لانشراخات مذهبيّة خطيرة في الشرق الأوسط، إلى حدّ تحوّل فيه العدوّ الاستراتيجيّ الدخيل (إسرائيل) في المنطقة إلى حليفٍ أساسيّ لأصحاب الاعتدال و"استراتيجية السلام الدائم"، وتطييف الصراع على أساس كونه صراعاً سنياً-شيعياً. وكلّ الترتيبات الإعلاميّة والتمويليّة والتسليحيّة التي اتخذت من أجل توصيل التيار الإسلاموي الإخواني والسلفي المتشدّد إلى السلطة واستئثاره بالحكم على غرار الحزب الواحد الشمولي (في تونس ومصر وليبيا وغيرها...) تدخل ضمن هذا السياق، بعد ضمان تخلّي هذا التيار عن المساس باتفاقيات السلام، السريّة والمعلنة، مع الكيان الاسرائيلي، وإتباع نفس السياسات الاقتصادية للنظم المطاح برؤوس رؤسائها، لا ببنياتها الفاسدة. فترتيبات كهذه بدأت تدخلنا في صراعات مهدّدة بحروبٍ أهليّة عدميّة لا تحمد عقباها، قد تؤخّر آجال استحقاقات الانتفاضات في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة والتساوي في المواطنة في إطار دولة الحق والقانون. كما قد يتربّص بها البعض من خلال مسخ الديمقراطية إلى معبر لاغتيالها.

قد يعترض البعض على ما تقدّمنا به من مآلات غير واعدة بتحقّقها في الآجال القريبة، من خلال تسويق الحجج التي تقول: إنّ ما تمخّضت عنه سياسات حرية السوق المفتوحة بلا ضوابط، من تداعيات مالية كارثية، قد يكون درساً زلزالياً وكابحاً لكلّ عواقبها ومنبئاً باستئصال جميع أسبابها. لكن ما يلوح في الأفق المنظور من إجراءات افتراضية للعلاج لا يُنذر بالتقويم الناجع، بدليل أنّ المحاسبات القانونية الصارمة لن تطال من تسبّبوا في إحداث هذه الأزمة المالية المعولمة لأن ما يجري في تدفيع إرهاصاتها المدمّرة يقع على عاتق الكثرة الكاثرة من البشر، الذين تكبدوا هم بالذات نتائجها المشؤومة وغير معروف حتّى الآن الآجال التي قد تستغرقها؛ اللهمّ إلا إذا اجترحت استراتيجيات جديدة، بمختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، غايتها وضع حدودٍ منيعة لنزيف (الفوضى الخلاقة) التي يراد منها تلغيم وتهديم كلّ ما يصبو إليه أهالي البلاد الثائرين اليوم من أجل حياةٍ أفضل تصان فيها كرامتهم وتستتبّ فيها حريتهم. إنّ إرساء شراكة إنسانيّة عادلة قائمة على قاعدة التكافؤ هو الأمل العظيم المعقود على كلّ حكماء العالم بمختلف مشاربهم ومذاهبهم وثقافاتهم وأجناسهم وأديانهم، للقيام بإرساء قواعده النظرية والإجرائية على نحوٍ جاد. كي يتمّ بعث التفاؤل في نفوس وعقول من ينشدونه للتخفيف من آلامهم وعذاباتهم وقهرهم وأسباب إفقارهم وللحيلولة دون الانزلاق إلى المصير المشؤوم الذي يتهدّدهم بالتهجير والتنكيل والإسترقاق. والحروب الجارية اليوم بالوكالة في العالم خير دليلٍ على ما يشهده العباد من خراب والبلاد من دمار .

لعلّ الحاجة ماسّة، من ضمن هذا المنظور، ليس لرؤية جديدة للعالم ولا إلى عقدٍ جديدٍ بين الإنسان ونفسه، ولا بينه وبين الآخرين وحسب، وإنّما أيضاً إلى عقدٍ اجتماعيّ بينه وبين الدولة، بما يضمن له كلّ أسباب المواطنة الحقّة الوازنة بعدل بين الواجبات والحقوق للخروج من مأزق ثنائية الذات والآخر الاحترابية على أساس إقتتال تصفويّ: ديني أو عرقي، طائفي أو ثقافوي معكوس. لأنّ العالم اليوم لم يعُد يحتمل ما يُصنَع من أسباب الإرهاب المعمّم ولم يعُد يقبل بالسكوت على مخاطر التلوّث البيئي والإبادة النووية، ولا بالأخص على المركنتيلية (الإتجاريّة) المتوحّشة التي تعتاش وتغتني بصناعة الحروب والدمار والإفقار. كلّ هذه المظاهر، في حال إستمرار فلتانها، ستتهدّد الجميع وقد تطال مستقبل الإنسان ومصيره على هذا الكوكب.


* باحث وأكاديميّ مقيم في فرنسا، ألّف مؤخّراً: "من الاستتباع إلى الاستبداد، حفريّات في آليّات احتلال العقل"، دار الملتقى، حلب، سوريا، 2009.


حقوق الطبع محفوظة لكافة البلدان

http://www.mondiploar.com/article4310.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
لئلاّ تمسخ الديمقراطية إلى معبرٍ لإغتيالها .. غريغوار مرشو
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» جمهورية سيناء الديمقراطية
» فرص الديمقراطية لاستبداد القلة بالثروة
» هل يمكن إنقاذ انتفاضة مصر الديمقراطية؟
» الإسلاميون والسلطة الديمقراطية... جولة واحدة تكفي .. محمد جميل أحمد
» الشفافية وحديث الديمقراطية! بقلم: أحمد محمود

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الحرية والتقدم  :: Votre 1ère catégorie :: منتدى الثورة الشعبية العربية والغرب :: منتدى العرب والعالم :: منتدى المسلمون والعالم-
انتقل الى: