الحلقة الأولى من سلسلة الرغيف المر

الرغيف المر مسلسل مقتبسة حلقاته من واقع الحياة ..

تطالعون حلقاته في نهاية كل أسبوع..

الاهداء

إلى كل من يحترق ليضيء طريق الآخرين..

وأخيرا صدر قرار تعيينها للعمل في مدينتها ، بعد سنوات من معاناة ... قد استقبلت هذا القرار بفرحة السّجين يوم إخلاء سبيله..
كان لابد أن تكتب مذكرات عن ذاك الرغيف المر، ليعلم من لا يعلم .. و من يتغافل عن معاناة المعلم بالمناطق النائية..
وليس من أجل المعلم فحسب ..وإنما من أجل أطفال يقطنون مناطق خفية من هذا الوطن يحلمون بأبسط متطلبات الحياة ..لهم من القدرات العقلية ما قد يتعدى الكثير من قدرات أبناء المدن غير أنّ واقعهم المر يحاصرهم...
هذه النصوص هي مشاهد مقتبسة من مختبر حياة.. لا يهم المكان لأن الأمثلة كثيرة..

كتبت معلمة تروي...

الحلقة الأولى

يوم اللقاء الأوّل

يوم التقيت أولئك المتعلمين الصّغار بالقرية المعزولة ، كانوا بأعمار مختلفة ، وبمستوى تعليمي واحد يكاد ينعدم... يومها رأيتهم ينظرون إليّ تعلو عيونهم مسحة من خوف يزاوجها تطلع ..قد كنت بالنسبة لعقولهم الصّغيرة المحاصرة عالما جديدا آت من وراء الجبل يريدون اكتشافه... يومها تفحصت وجوههم وأياديهم الصّغيرة فرأيتها مشققة حدّ النزيف..قد كان البرد يوقع على خدودهم بشقوق يسطرها، المخاط.. لا يكف حدّ أن تتورم منطقة أسفل الأنف إلى الشفة العليا..
كنت أحيانا أأجل درس الحصة الأولى ريثما أنظف أنوفهم ، وأمشط شعورهم ...و إذا ما أنهيت المشط أنظر إلى أناملي فأجدها قد اكتست بمادة سوداء دسمة ..
القمل...حشرة صغيرة لها من القوة ما يجعلها قادرة على أن تفضح مستويات ما تحت خط الفقر...في روايات جدي عن معاناة الشّعب أيّام الاحتلال الفرنسي .. كان للقمل حضور واسع ، مثلما له اليوم حضور في هذه القرية وما شابهها من هذه المناطق الخفية في هذا الوطن..في هذه الهضاب ما تزال المعاناة ..وعراك الناس مع الفقر..، في هذه القرية تصبح الفاكهة حلما بعيد المنال ... وقطعة اللحم سرابا...قد يمر النهار دون وجبة غداء..وقد تنام أعين دون عشاء..هناك مجاعة خفية تنتشر في صمت.. و تنشر أوبئة أخلاقية لم تكن تعرفها الهضاب..
في القرية يفرح الصّغار بأي شيء يُهدى لهم مهما كان بسيطا..
يوما فآخر تبدلت ملامح الصّغار نحو الأحسن... لكن البرد معركة أخرى.. قد كانت أناملهم الصغيرة تتحجر أثناء حصص الدرس الأولى فتعجز عن الإمساك بالقلم ..وكان الواحد منهم يأتي إليّ فيضع أنامله بين راحتي يستجدي دفئا...فأنفخ له فيهما ويعود إلى مقعده ليكتب فيجد القلم قد جف بسبب البرد ، ويناديني فأخرج القلم من غمده وأحركه بين راحتي فيعود للكتابة ... ويقلد الصّغار بعضهم بعضا بأنانية جميلة كانت تسعدني في زمن كان البرد ينفخ في النفس الرّغبة في البكاء...

» الحلقة الثانية من سلسلة الرغيف المر
» الحلقة الثالثة من سلسلة الرغيف المر
» الحلقة الحادي عشر من الرغيف المر...البدوي الصغير..
» الرغيف المر .. الحلقة الرابعة .. قسم تنيره الشموع .. بقلم: رويدة الغيث
» الحلقة السابعة من الرغيف المر .. الحمامة .. بقلم رويدة الغيث