الحلقة الخامسة من الرغيف المر .. تكتبه كل خميس الأديبة رويدة الغيث

النــــــــــــــــــــــــــزيـــــــــــــــف...

كلما حل الليل أحكم غلق الباب وأضع دونه المائدة والكرسي ..وقارورة الغاز ..وكل ثقل من شأنه أن يمنحه قوة..غير أن لا قوة صدّ كان باستطاعتها أن تصد باب خوفي..وقلقي..
كنت أحيانا إذا ما نظرت من النافذة في جنح الليل ورأيت الظلام يحيط بي..وأضواء القرية الخافتة بعيدة عني ..يتملّكني الخوف.. وأجري صوب فراشي..أتكوّم تحته يرتعش جسدي..وتظل عيناي مفتوحتين طول الليل..أخاف من الانس ..ومن الجن..
وبعد مدة اهتديت إلى فكرة الاستماع إلى الإذاعات العالمية الناطقة باللغة العربية..فرحت أونس غربتي بالاستماع إلى أحاديث المغتربين..

وفي أحد الأيام لم أطمئن إلى وضعيه قفل الباب فأردت أن أصلحه ضمن ثقافة الحدادة المحدودة لدي بمقدار محدودية وسائلي ،بمقدار محدودية قوتي الأنثوية التي أجبرها واقع ما أن تحيد عن مسارها وتنعطف نحو مضمار رجولي ...
وبينما كنت في عراك لتثبيت أحد البراغي جرحت سبابتي جرحا بالغا .. فشلت في أن أسيطر...
وقرّرت أن أنزل إلى ما يمكن أن يُسمّى غرفة علاج.. وكنت على ظن مني يقارب اليقين أنني لن أجد ممرّضها... وكان ظني مصيبا ..رحت أبحث عنه وأسأل بعض القرويين .. حتى وجدته لاه في أحد أزقّة القرية صحبة جماعة من شيوخ في حالة تصابٍ... يلعبون لعبة تسمى "الهف" .. وتعني الاحتيال .. كانوا يقضون النـّهار كله يحتالون بها على وقت القرية الصامت الثقيل...
في غرفة العلاج راح الممرض يضمد جرحي بما توفر لديه ..و يمازحني في نوع من السّخرية من ألمي ..وضعف وتحملي .. كانت دموعي تفيض...لحظتها نعتني بالضعيفة غير المقاومة لجرح سطحيّ.. كلماته السّاخرة لم تكن لتعني لي شيئا ..فهو لا يعلم ضمن محدودية أفقه أن هذا الجرح ما هو إلا نقطة اهتزاز تنداح عنها دوائر جراح أعظم...

ما أشبه الواقع بالخيال .. من لا يعرف أن الكاتبة عاشت هذه الأحداث فعلا يتهيأ إليه انها قصة من صنع خيالها الخصب
غير أن وصف الواقع بهذه الصورة الدقيقة الحية ليس في متناول كل الناس .. إن المعاني كما قال أحد كبار الكتاب مطروحة
في الطريق لكن لا يستطيع التعبير عنها سوى من هم مؤهلين لذلك من الكتاب والشعراء والمفكرين والفنانين وغيرهم من
أصناف المبدعين .. إن هذه اليوميات التي تكتب حلقاتها معلمة كاتبة وأديبة موهوبة لاريب فضلا عن كونها تقريرا دقيقا عما
عاشته فإنها تأتي في قالب فني بديع يسجل كما تفعل الكاميرا الملونة الرقمية كل معطيات البيئة وتضفي عليها ألوانا
وضلالا تجعلها ناطقة بواقع الحال مما لا يدركه كل من عاش في تلك القرية النائية وعانى مما عانت منه هذه المعلمة الكاتبة
الأديبة الفنانة التي تجعلنا في كل حلقة من روائع حلقاتها هذه نشاركها شعوريا تلك الظروف الصعبة الخلاقة في ذات الوقت والتي
فجرت في نفسها الأبية الموهوبة طاقة فنية أصيلة بفضل نضالها المستميت الصادق من أجل ترقية تلك القرية المنسية في ريف
الجزائر العميقة .. تحية لكاتبتنا الأديبة الفنانة الراقية.

» الحلقة السادسة من الرغيف المر...البستان الأخضر... بقلم رويدة الغيث
» الحلقة السابعة من الرغيف المر .. الحمامة .. بقلم رويدة الغيث
» نهاية كلب خائن...الحلقة الثالثة عشر من الرغيف المر...بقلم رويدة الغيث...
» الرغيف المر .. الحلقة الرابعة .. قسم تنيره الشموع .. بقلم: رويدة الغيث
» الحلقة الثاني عشر من مسلسل الرغيف المر...الجديلة الذهبية .... بقلم رويدة الغيث..