مصر: عسكرة السياسة وتسييس القضاء .. د. محي الدين عميمور

مصر: عسكرة السياسة وتسييس القضاء .. د. محي الدين عميمور

16 06 2012

مصر: عسكرة السياسة وتسييس القضاء .. د. محي الدين عميمور Elk11_625098832

خسرت قيادات التيار الإسلامي المعركة الأخيرة في مصر لأنها لم تتعظ بكل النكسات التي قادت لها حماقات لم يكن لها ما يبررها، ولم تأخذ العبرة من أحداث الجزائر، ولم تستفد من تجربة تونس والمغرب، ويكفي دليلا مقارنة حجم التصويت بين الانتخابات التشريعية وانتخابات الدور الأول في الرئاسيات، حيث خسر التيار الإسلامي نحو خمسة ملايين صوت، وصعد إلى سطح النجاح الجنرال شفيق، الذي أصبح المنافس الوحيد للمرشح الإخواني محمد مرسي.
واستفاد الجنرال من دعم كل المتخوفين من التيار الإسلامي، وخصوصا من مسيحيين كُثرٌ استثارتهم حماقات المتأسلمين، واستفاد من قاعدة نسائية هائلة التأثير، ومن متباكين على مصير السياحة أو متاجرين بحرية الفكر والتعبير، وأساسا من كل المحسوبين على الحزب الوطني والمرتبطين، بشكل أو بآخر، بجهاز الدولة وبمؤسساتها، الخبيرة في استقطاب ولاء المواطنين، كما أشار لذلك يوما الأديب المصري توفيق الحكيم في ''يوميات نائب في الأرياف''.
وكان من أهم الحماقات، التي استثمرها لتشويه الإسلاميين كل من يريد صياغة مستقبل مصر ما بعد مبارك طبقا لأهوائه، تذبذبُ قيادات التيار الإسلامي وتراجعها عن وعود كثيرة التزمت بها، خصوصا بقبول نسبة مئوية متواضعة في ترشيحات البرلمان ثم بعدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
وكان من الحماقات مواقف تهريج وتهييج لبعض الأعضاء في مجلس الشعب، ثم تصرفات، كانت فردية في معظمها، لكنها استغلت بشكل فاق كل التوقعات.
أما أخطر الحماقات فقد بدأت بالتناقض مع شرعية ميدان التحرير بحجة سيادة الشرعية الدستورية، ثم بمعاداة عبد المنعم أبو الفتوح، وهو واحد من القمم الإسلامية، ثم الاندفاع لترشيح رئيس حزب الحرية والعدالة، الدكتور محمد مرسي، وهو رجل فاضل لكنه يفتقد للكاريزما الجماهيرية التي يحظى بها أبو الفتوح.
وبدا الجنرال مؤخرا وكأنه متأكد من حجم من يناصرونه ومن قوتهم، وتصرف في المنازلة أحيانا بشكل نزل بمستواه، وكان يمكن أن يقضي على كل فرصه في النجاح لو كان يواجه أبو الفتوح أو حمدين صباحي.
وبعد أن استطاعت السلطة الفعلية تأليب الجماهير الباحثة عن الأمن والاستقرار ضد الثوار، مكنتها حماقات المتأسلمين من عزل التيار الإسلامي جماهيريا، وهكذا أصبحت اللاعب الرئيسي على الساحة، خصوصا عندما استفز الإخوان رجال القضاء، ومن هنا بدت الأحكام القضائية كقرارات سياسية، وأضعف قرار المحكمة الدستورية بإلغاء شرعية مجلس الشعب كثيرا من فرص مرسي، بحكم أن الدنيا مع الواقف، وأن وراء شفيق كتلة انتخابية هامة من بين شرائحها كل من أضير من ثورة 25 يناير، في الداخل والخارج.
وينتظر العالم كله موقف الجماهير التي قد تثبت رفضها لاستنساخ النظام السابق، بالتصويت لمحمد مرسي، الذي وضعه خطابه الخميس الماضي في مستوى زعيم جماهيري قادر على انتزاع الثقة والاحترام، أو على العكس من ذلك، ستسود الآثار السلبية التي زرعتها الحماقات على حساب النظرة المستقبلية.
وإذا كان الموقف امتحانا حقيقيا للشعب فإنه، قبل كل شيء، امتحان لكل من صباحي وأبو الفتوح وأيمن نور، بتجسيدهم الواعي لإرادة الجماهير المؤمنة بضرورة استمرارية الثورة، وهو امتحان بالغ الأهمية لليبراليين واليسار بشكل عام، وللمسيحيين والنساء بوجه خاص.

المصدر

» القضاء التام على الخاطفين في الجزائر
» استراحة بعيداً عن السياسة
» أين السياسة ؟ - فهمي هويدي
» ''دراري'' السياسة! مصطفى هميسي
» لا توجد كلمة بريئة في السياسة - عهود اللامي