عتبات الكلام
إنهم يخطئون في الحساب
نصر الدين لعياضي]
كتب ''رو غريسلاند''، أستاذ الصحافة في جامعة ''ستي ينفرستي''، وهي من أعرق الجامعات العمومية البريطانية، مقالا عن الأخطاء الحسابية التي يرتكبها الصحفيون في مدونته الإلكترونية بصحيفة ''الغردن'' البريطانية، فذكر فيه أن هذه الصحيفة قامت بتصحيح ثمانين خطأً في الأرقام التي نشرتها خلال ستة أشهر من سنة .2007 ومن جملة الأخطاء التي سردها ''رو غريسلاند'' في مدونته، ما ورد في مقال حَوَّل صاحبه مساحة ألفين وخمسمائة فدان إلى عشرة ملايين هكتار بدل عشرة هكتارات مربعة! وأكد فيه أن خمسة ملايين ونصف طن من القمح اللين استخدمت لصناعة اثني عشر مليون خبزة. ومعنى هذا الكلام أن متوسط وزن كل خبزة يصل إلى نصف طن تقريبا! هذا إذا قسمنا كمية القمح الليّن على عدد العجائن التي تحولت إلى خبز! فهل توجد خبزة تزن خمسة قناطير؟ فحتى موسوعة غينيس للأرقام القياسية لا تؤكد ذلك.
إن الأخطاء الحسابية لا تقتصر على الصحافة البريطانية فقط، بالطبع. فلصحف الدول الأخرى نصيبها. إذ يمكن أن نذكر في هذا الصدد، على سبيل المثال، أن مجلة ''تلي راما'' الفرنسية حاولت أن تقدم فكرة عن الفيلم الموسوم ''في الحي البعيد'' الذي أخرجه المخرج ''سام غربرسكي''، في عددها الصادر يوم 10 نوفمبر 2010، بالقول (إن الفيلم يروي قصة رجل بلغ الخمسينيات من العمر سقط مغشيا عليه في أثناء عودته إلى قريته، ولم يستعد وعيه إلا بعد ثلاثين سنة في عمر طفل يبلغ أربع عشرة سنة. فلو جمعنا السنوات التي قضاها هذا الشخص في غيبوبته، والسن الذي استعاد فيه وعيه فسيكون المجموع 44 سنة؛ أي أن الرجل المذكور لم يبلغ الخمسين سنة!
ويُذكر أن صحيفة ''لوموند'' الفرنسية نشرت، قبل أسبوع من هذا التاريخ، مقالا أكدت فيه وجود 15 ألف معمر في فرنسا في سنة 2010؛ أي أن عدد المعمرين ازداد في فرنسا بـ16 مرة عما كان عليه سنة .1960 ففي هذه السنة كانت توجد معمرة واحدة من بين 500 امرأة فرنسية، مقابل معمر واحد من بين 2500 فرنسي. أما اليوم، يقول صاحب المقال، فتوجد امرأة معمرة واحدة من أصل 57 امرأة فقط، ورجل معمر من بين 600 معمر فرنسي. ومعنى هذا الكلام، بشكل عملي، أن عدد سكان فرنسا في السنة المذكورة بلغ 64 مليون نسمة، منها 32 مليون امرأة. وإذا قسمنا هذا العدد على 57، فإن عدد المعمرات الفرنسيات يبلغ خمسمائة وواحدا وستين ألف معمرة، وهو بكل تأكيد يزيد عن عدد المعمرين (ذكورا وإناثا) في فرنسا، الذي ذُكر في بداية المقال!
قد يقول قائل: من ينتبه إلى هذه الأخطاء؟ وهل القارئ المعاصر المستعجل يهدر وقته في استعمال آلته الحاسبة للكشف عن مثل هذه الأخطاء؟ إن طرح هذا السؤال وجيه فعلا، بيد أنه يخفي سؤالا آخر، وهو: لماذا ترتكب الصحف مثل هذه الأخطاء حتى تدفع ببعض القراء أو ''المناكفين'' منهم إلى البحث عنها، وبالتالي التشكيك في مصداقية الصحيفة؟ إن الإجابة على هذا السؤال بسيطة وتكمن في الأخطاء المطبعية وسرعة الكتابة وقلة التركيز والتسليم بالأرقام والإحصاءات المقتبسة من المصادر المكتوبة والمقابلات الصحفية دون فحصها وتمحيصها. وأيضا لاعتقاد ''رو غريسلاند'' أن عددا كبيرا من الصحفيين لم يلتحقوا بمدارس الصحافة ومعاهدها وكلياتها، لكونهم يملكون قدرات كبيرة في التعبير والكتابة فقط، بل لنفورهم من مادة الرياضيات إن لم يكن لكراهيتها! وحتى برامج الكمبيوتر لم تساعدهم في التغلـب على الأخـطاء في الحسـاب. لذا يتـوجه إلى إدارة الصحف البريطانية بالقول: علموهم الحساب حتى يتجنبوا ارتكاب الأخطاء التي يعد بعضها هيّنا وحتى مضحكا، وبعضها الأخير خطير ويمكن أن يضر بمصداقية الخبر.
وهل الصحف الجزائرية معفية من ارتكاب مثل هذه الأخطاء؟ من يجرؤ على الإجابة بنعم، فهو بكل تأكيد يريد المزاح. لقد ذكرت صحيفة جزائرية مؤخرا أن مبيعات صحيفة ''لوموند'' الفرنسية في الجزائر بلغت عشرين ألف نسخة يوميا في السبعينيات من القرن الماضي؛ أي بمعدل خمسين بالمائة من سحبها الإجمالي الذي بلغ أربعمائة وخمسين ألف نسخة يوميا. لعل القارئ الكريم يدرك أن عشرين ألف نسخة لا تمثل نصف ما تسحبه هذه الصحيفة. لكن الأخطاء التي ترتكبها بعض الصحف الجزائرية في الحساب تبدو، رغم خطورتها، أهون من أخطائها الأخرى. فعن هذه الأخطاء يمكن أن نذكر أن صحيفة جزائرية ذات صيت واسع نشرت يوم 3 نوفمبر الماضي مقالا يحمل العنوان التالي، بالخط العريض: الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يرفض قانون المالية. قد اندهش القراء من هذا العنوان وارتبكوا. لكن بعضهم أدرك أن كاتب المقال لا يفرق بين المشروع وقانون المالية! فهذا الأخير لا يصبح قانونا إلا بعد مصادقة رئيس الجمهورية عليه.
المصدر : http://www.elkhabar.com/ar/autres/makal/322392.html[img]