تلاعب بشرف التاريخ!!

تلاعب بشرف التاريخ!!

الثلاثاء 03 سبتمبر 2013

مصطفى هميسي

[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]

جبهة التحرير ليست مجرد جهاز حزبي يحكم (أو يحكم به)، إنها شرف التاريخ، كما كتب أحد الزملاء، ولهذا فأمرها لا يهم من ينتسبون لأجهزتها وهياكلها فقط. ما حدث ويحدث في جبهة التحرير بالشكل الذي تابعناه عبث، عبث قانوني وعبث سياسي، لهذا نتساءل اليوم: لماذا لا تفصل الجبهة ـ شرف التاريخ ـ عن الحزب وتصرّفات بعض قياداته العبثية؟ ولماذا لا يمكن لهذا الحزب أن يعيش حياة حزبية عادية؟ لماذا لا تنتهي الانقلابات فيه؟ ولماذا لا تستطيع أي مجموعة أن تقود على قاعدة شرعية أكيدة؟
اليوم لا تهم الأسماء ولكن يهم المنطق، لا تهم المجموعات ولكن تهم الأساليب والمناهج، لا يهم من يساند من إنما يهم كيف أتى، لا يهم من يسيطر بل يهم ليفعل ماذا. أن يرتبط هذا الحزب، ومن وراء ذلك جبهة التحرير شرف التاريخ، بـ«الشكارة” أو بالأمية أو بالانقلابية أو بالفساد والممارسات المقرفة والمؤامرات التافهة، فذلك أمر مخيف ومحزن مبكي على شرف التاريخ بالخصوص. أعرف الكثير الكثير من مناضلي حزب جبهة التحرير ممن أتفق معهم ومن لا أتفق، بل وعرفت وأعرف الكثيرين ممن صنعوا شرف تاريخ الجزائر الحديث تحت لواء جبهة التحرير، معرفة مباشرة أحيانا، عرفت محمد الصالح يحياوي ومحمد الشريف مساعدية ومحمد السعيد معزوزي وعبد الحميد مهري وعرفت الدكتور طالب الإبراهيمي ومولود حمروش والبشير بومعزة وبلعيد عبد السلام وقاصدي مرباح وعلي بن فليس وحتى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (قبل أن يكون رئيسا) وغيرهم كثير كثير، من الشيوخ ومن شباب الشيوخ، ناقشتهم وجادلتهم وافقتهم وخالفتهم لكنني احترمتهم جميعا لأني أعلم نضالهم وتاريخهم. ولكن شخصيا لا أعرف سعيداني (أو سعداني كما قيل لي) ولا أعرف تاريخا سياسيا له ولا أعرف تاريخا نضاليا كبيرا له، أعرف أنه كان رئيسا للمجلس، وثالث شخصية في الدولة، ولكن لا أعرف من أين أتى؟ ولا كيف أتى؟ ولا أعرف هل هو في اليمين أم في اليسار؟ ولا أعرف علاقته بالمال والتجارة، ولا أعرف علاقته بالعصب وأقل من ذلك علاقته بالأفكار السياسية الحديثة أو القديمة.
أكيد أننا اليوم في زمن آخر، لا يمكن لهؤلاء أن يظلوا في الواجهة إلى ما لا نهاية، بل لم يتمكنوا من أن يكونوا، هم وغيرهم، في الواجهة بشكل نضالي، إلا في النادر القليل، ولا يمكن أن نعرف كيف تأتي أسماء لتنزل نزولا مطعونا، في الغالب، في شرعيته على رأس هذا الحزب.
مما يجعلني أتساءل: من أين تأتي النخبة وكيف تأتي؟ وما هي المواصفات التي ينبغي توفرها لدخول مصافي النخبة؟ وهل للشرعية معنى سياسي على النخبة أن تتقيد به؟ هل هناك أخلاق سياسية لا بد من الالتزام بها؟ التساؤل في حد ذاته إجابة!
قلت لا أعرف سعيداني وإن سمعت الكثير من الروايات في موضوعات مختلفة لم أتمكن من تأكيدها أو نفيها، ولست أعلم إن كانت أغلبية قد زكته أم أقلية ولكن أعرف أنه منذ 1996 والأسلوب الانقلابي نفسه يتكرر. ومع ذلك لا يهمني من يكون على رأس هذا الحزب لأن ذلك شأن داخلي، لكن ملامح الصورة التي انبعثت مرة أخرى من صراع علني بين أطراف متعددة تفترق ثم تلتقي تتخاصم ثم تتحالف ثم يأتي قرار من جهة إدارية ليفرض واقعا أو يدعم جهة على حساب جهة، وهو ما ظهر من التناقض بين مجلس الدولة وبين الداخلية، كل هذه ”الخالوطة” لا تبدو لي سياسية بالمعنى النبيل للكلمة، لأن التدافع لم يكن ناجما عن اختلاف على برنامج.. المسألة اختصرت في احتلال موقع بأي وسيلة وأي طريقة.
ما حدث ليس في صالح ترقية العمل السياسي ولا في صالح الديمقراطية ولا في صالح أي إصلاح ولا في صالح حتى إبراز نخبة أخرى أكثر كفاءة وأكثر نزاهة وأكثر التزاما بشرف التاريخ.
نعم، ما حدث فصل آخر في أزمة.. إن ما يهم اليوم هو حماية شرف التاريخ من ملوثات السياسة السياسوية. فهل إنقاذ شرف التاريخ يمر عبر إنقاذ حزب الجبهة أم من خلال ”سحبها” من هذا التدافع السياسوي الرديء والمهين لها؟ الإجابة لا تخص ”المتدافعين” فقط بل كل الوطنيين.

[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

» نهاية التاريخ وفرانسيس فوكوياما
» التاريخ لن يغفر للبرادعي لأنه يستقوي بالخارج
» رئاسيات 2014.. الفرصة الأخيرة لدخول بوتفليقة التاريخ