صعوبة العمل في الفيس بوك .. بقلم عد المالك حمروش

صعوبة العمل في الفيس بوك .. بقلم عبد المالك حمروش

الفيس بوك عالم موازي بكل ما فيه من طباع البشر المختلفة وسلوكهم وتكوينهم وأهدافهم وأسباب وجودهم على هذا الموقع إن كانت لهم أسباب أصلا .. إذ أن أغلبيتهم الساحقة في المجتمع الشبيه بالذي أنا فيه يجعلون من هذا الموقع وسيلة للتسلية وشغل الوقت بأي شيء ولا بأس من ذلك لكن بشرط أن يكون الطرف الآخر أو الأطراف موافقة على ذلك ولها نفس الغرض من الوجود في هذا الموقع التواصلي بامتياز ولو أنه اشتهر بالاجتماعي .. أما أن يتصل الواحد منهم بشخص له أهداف محددة ودقيقة ووقت ضئيل لا يسمح له بالدردشة الفارغة والتي تتخذ طابع التحقيق البوليسي الفج عند البعض فأمر لا يطاق وذلك كأن يسألك أحدهم مثلا: أين تسكن؟ وما عملك؟ وكم سنك؟ وما رقم تليفونك؟ وسلسلة من الأسئلة في أمور شخصية بحتة لا يبوح بها المعني عادة إلا للمقربين منه فبالطبع من الواضح أن الذي يتصرف بهذه الطريقة ويلح على مواصلة الحديث متجاهلا أو جاهلا ظروف الطرف الآخر الذي دخل إلى الفيس بوك لأمر محدد ووقت محدد واضح أنه من العابثين على هذا الموقع أو في أحسن تقدير هو من محدودي المدارك السيئي الذوق الذين يبحثون عن قضاء الوقت ويتخذون من الآخرين الذين لا يعرفونهم وسيلة يعبثون بها كما يحلو لهم .. وفي هذه الحالة يجد المرء نفسه بين خيارات صعبة هل يصرح لهذا الشخص أنه لا وقت لديه للدردشة فيعتبرها الآخر رفضا أو إهانة وربما ظهر له أن يرد الفعل مما يعتبره اعتداء على كرامته وتنشب معركة مزعجة قد تؤدي على الأقل إلى توتر الأعصاب ومضيعة الوقت فيما لا طائل من ورائه وهي كارثة من وجهة نظر الإنسان الجاد الذي دخل الموقع لإنجاز مهمة ما مثل كتابة بعض الأفكار لتبادلها مع الأصدقاء وغيرهم والتحاور بشأنها أو الإشهار لموقع أو مدونة بنشر رابطها مرفوقا بمقال أو إنتاج ثقافي أو غيره من أشكال التعبير منشورا على ذلك الرابط .. وفي العادة يكون مثل هذا الناشط مشغول الوقت يضايقه جيدا من يعكر عليه جو العمل وخاصة عندما يحاول الاستمرار في الثرثرة مصرا وبعناد لا يطاق .. مما يضطر الآخر إلى ربما عدم مواصلة الرد فيهيج المثرثر ويصر على التواصل مما قد يطور الأمر إلى تبادل كلام غير لائق وربما انتهى بحذف هذا المتطاول من قائمة الذي دخل ليعمل شيئا مفيدا .. الذي يبقى طوال وجوده متوتر الأعصاب لا من هذا الصدام الذي انتهى إلى ما انتهى إليه فقط بل من التخوف الدائم من ظهور غيره الذي لا يسأل حتى مجرد السؤال إن كان الذي اتصل به لديه الوقت ليدردش معه أو يثرثر بعبارة أصح لأن الدردشة قد تكون مفيدة أما الثرثرة فمثيرة لأعصاب أي إنسان جاد يريد الاستفادة والإفادة .. والأدهى من هذا أن المرء قد يخرج إليه جماعة وعليه أن يرد عليهم في نفس الوقت وهم كلهم عابثون .. فما العمل في هذه الحالة .. حيث تجد ثلاثة مربعات أو أكثر خرجت أمامك كل من أصحابها يريد الحديث إليك أو الثرثرة معك وربما تكون أصلا في حديث مفيد مع صديق لك هل تعتذر لهم مثلا بالقول إنك مشغول مع صديق .. قد يواجهك بعضهم بالإساءة ظنا منه أنك تتهرب أو لا ترغب في الحديث إليه مستنقصا من قيمته وما إلى ذلك من العقد الشخصية التي تجد نفسك في مواجهتها فجأة ودون سابق إنذار ومن غير رغبة في التواصل اصلا مع صاحبها الذي لا تعرفه عدا كونه موجودا في قائمة كبيرة لما يسمى بالأصدقاء لديك وأنت لا تعرفهم أصلا وإنما تأتيك طلبات فتوافق عليها بحسن نية دون معرفة بأصحابها ثم يأتيك من بعضهم ما لا يطاق من الاتصالات المسيئة أو المزعجة والمهدرة للوقت بلا معنى .. هل يستحسن مثلا أن يعلن الشخص في واجهة صفحته أنه لا يقبل الدردشة الفارغة والحديث من غير موضوع محدد وبموعد سابق مع شخص يطلب الحوار والمناقشة المفيدة للطرفين ولغيرهم من الأصدقاء ذوي نفس التوجه أو الذين يبحثون عن الفائدة مما يدور بين المتحاورين والمتناقشين في موضوعات فكرية وثقافية واجتماعية تهم كل الناس؟ .. قد يجرنا هذا الحديث إلى القول بتحديد الأصدقاء بدقة من ذوي الاهتمامات المشتركة والمستوى الثقافي المتقارب والممارسات الفكرية وربما الإبداعية المتشابهة أو على الأقل من عشاق تلك الممارسات الذين يطلبون التواصل المفيد الخصب الممتع .. نعم إن البعض يفعل هذا بألا يقبل أي طلب للصداقة إلا إذا كان صاحبه من نفس الفئة أدباء أو شعراء أو مفكرين عامة وربما فلاسفة أو علماء إلخ .. غير أن هذا التصنيف الصارم يفقد تلك المجموعة صفة الاجتماعية التي يوجد عليها هذا الموقع التواصلي الهام وقد يمنع الاستفادة من تلك الفئات الرائدة أو النخبوية من بقية الناس فيعزلون أنفسهم وينعزلون مما يجعل صرختهم في وادي لا زرع فيه ولا ضرع ولا نشر للوعي والذوق والثقافة والعلم وإنما تقوقع ودوران في حلقة مفرغة لا يشع على المجتمع أي تنوير يذكر وتبقى المعضلة قائمة خاصة إذا علمنا أن الشخص يوجد بين الآلاف والملايين الذين يرغبون في صداقته الشكلية ربما لمجرد إضافة رقم في قائمة أصدقائهم المفترضين التي يريدون تضخيمها باستمرار ربما لمجرد التباهي وهكذا يبقى الباب مفتوحا على الاتصالات التي قد تزعجك إن أردت ممارسة نشاط إيجابي مفيد على الفيس بوك .. وتبقى المشكلة قائمة وطرحي لها هنا إنما هو من أجل إثارة الاهتمام وحفز التفكير وتبادل وجهات النظر والعمل على ترشيد استعمال هذا الموقع التواصلي الهام بما يفيد الناس أجمعين ..

الغرض من هذا الحديث هو التعبير عن انشغالين اثنين: الأول ذاتي يتعلق بمعاناة قائمة بالفعل تتمثل في التوتر النفسي حال قصد العمل في هذا الموقع الهام وذلك بسبب اتصالات البعض المزعجة مما يدفع إلى تذكر مقولة سارتر الشهيرة: " الآخر هو الجحيم " والمعضلة الكبرى هي أن التواصل المنشود لا يتم إلا مع الآخر المنشود للحوار والتبادل والمناقشة والتفاعل الإيجابي المثمر لكن من بين هذا الآخر توجد أطراف سلبية لقصورها أوتقصيرها أو هما معا وتلك هي المشكلة وفيها يتمثل الآخر الجحيم بالفعل وتصبح مقولة سارتر صحيحة تماما .. أما الانشغال الثاني فهو الجانب الموضوعي الذي يتطلب منا بذل كل ما نستطيع من أجل السير إلى الأمام ورفع الوعي العام لدينا ولدى الآخرين قدر مستطاعنا ودائما تعترضنا بعض الصعوبات من هؤلاء الذين يدخلون الفيس بوك للتسلية بل للعبث وتعطيل ما هو إيجابي لنزعة لدى أصحابها هدامة سواء أرادو ذلك بالفعل ومع سبق الإصرار والترصد أو بسبب قصورهم وتدني وعيهم وبحثهم عن الثرثرة لمجرد شغل الوقت الضائع عندهم والذي يكون مشكلة يبحثون عن التخلص منها بالثرثرة على الفيس بوك .. حبذا لو قرأتم الموضوع وجعلتموه منطلقا لحوار مفيد .. تحياتي.

» تعليق على واحدة في الفيس بوك تحاول أن تكون مستشرقة .. بقلم عبد المالك حمروش
» رأي في أحداث اليوم .. بقلم عبد المالك حمروش
» قراءة في أحداث اليوم .. بقلم عبد المالك حمروش
» في الجنس إفلاس العرب .. بقلم: عبد المالك حمروش
» الثورة وعامل الزمن .. بقلم عبد المالك حمروش