ماضون .. بقلم ناجي حسين

ماضون

مهما طال الدرب وكثرت الصعاب، مهما أغالوا بنا قتلاً وتنكيلا .. مهما تآمر الجنود والأحبار، مهما تمنونا شعباً ذليلا .. فإننا يداً بيد ماضون، ماضون، ماضون على طريق الثورة .. نستنشق الكرامة رغم رائحة الموت، ونستشعر الحرية رغم ضيق السلاسل .. فمن خنع لذله مات حياً، ومن آمن بإنسانيته وإن مات ففي روح الوطن: في أجراس كنائسه وأذان مساجده، في بياض ياسمينه وخضرة حوره، في نغمات أفراحه وضحكات أطفاله: فسيحيا .. نرتدي حب الوطن تاجاً من الأشواك يدمينا، وما قتلوا العزة فينا يوماً ولكن شبّه لهم .. إن الإنتفاضة الظافرة قد خلخلت الأرضية التي قبع عليها بنيان الإستبداد والقهر ، والزمن القادم كفيل بإنهياره. فلقد زال الخوف والإذعان وأنكشفت عورات النظام وحقيقته وسقطت كل الأقنعة التي توارى خلفها .
فالأزمة السورية بدأت منذ تمادي اللغة في تكريس العائلة الحاكمة عندما رُفِعَ شعار 'إلى الأبد يا أسد'، وهو شعار يتنافى ومضمون الدستور العام للجمهورية العربية السورية، الذي ينصّ على فترة حكم محدودة زمنياً ومرهونة بأنتخابات حرّة ونزيهة، إلا أنّ تعاقب الأزمنة الأنتخابية لم تكن بقرار الشعب وحده، بل كانت قرارات الحكومة نفسها عندما كانت ولا تزال تهيمن هيمنة تامّة على صناديق الإقتراع وتتجلّى هذه الهيمنة بنتائج الصناديق التي ما إن تُفضّ حتى يكون الحسم النهائي بنسبة مُدهشة ومذهلة ومستفزّة في آن معاً، إذ لم تنقص في يوم من الأيام عن 99،99'.
وبعد هذه المهزلة من نتائج الصناديق التي تتحفنا دائما عن 99،99' ، وكل الجرائم والمجازر والإنتهاكات التي تقوم بها عصابات الأسد وعصابات شاليش وعصابات مخلوف وعصابات مملوك وعصابات شوكت وعصابات بخيتان تدل على أن هذه العصابات هي قمة في الإجرام وقمة في الدموية وقمة في الغدر والقتل.عائلة الأسد الدموية يجب أن تعتبر عار على الإنسانية وعلى البشرية جمعاء. ما يحصل من مجازر وجرائم وأنتهاكات ضد الشعب السوري تعتبر جرائم حرب وهي ترتقي لجرائم حرب ولابد من الشعب السوري بعد أنتصار ثورته أن يقدم هذه العصابات العلوية الأسدية الدكتاتورية التي تعيث قتلا وتنكيلا وفسادا بالشعب السوري المذبوح إلى محاكم وطنية عادلة .
مع دخول الثورة السورية شهرها السابع، هتف السوريين في جميع مدن السورية 16-9-2011 "حرية للأبد .. غصب عنك يا أسد" في جمعة " ماضون حتى إسقاط النظام" التي حصدت أرواح أكثر من 36 مدنيا قتلوا على أيدي الأجهزة الأمنية والشبيحة ، مع إصرار النظام على التصعيد ومواصلة سياسته الدموية القمعية محاولة منه في كبح جماح أنتفاضة الشعب أشد عنادا وقوة وإصرار على التحدي في تحقيق أهدافها وغاياتها المشروعة مع رفع سقف مطالبها هذه المرة ليس إسقاط الرئيس ، وإنما لإعدامه. في ظل كل هذه المتغيرات نخشى أن ينفجر الوضع ويأخذ منعطفا خطيرا ومنحى لا يوحي بالإنفراج ويدخل مرحلة من الإنسداد المؤدي إلى تحول الطابع العفوي السلمي للإحتجاجات إلى مواجهة مسلحة يصعب التحكم فيها والسيطرة عليها، وهذا غير مستبعد لأن الضغط المكثف والعنف الذي يواجهه المتظاهرين يوميا وعملية القتل والتعذيب والتنكيل والإعتقالات والمداهمات والإذلال التي تمارس عليهم صغارا وكبارا شبابا وشيبا سيولد بالضرورة الحتمية إنفجار ينفرط فيه عقد الحكمة والتريث والتبصر ويطغي عليه طابع الروح الإنتقامية والأخذ بالثأر، الأمر الذي سيلقى على سوريا في غياهب دوامة لن ترى فيها القوات الأمن والجيش والشبيحة والإستقرار أبدا.
أن تمسك الشعب السوري الثائر بهذا الشعار (وإن سالت دماء السوريين فهم على سلميتهم باقيين) فالرغم من أنه يبدو للبعض منطقيا أن مقولة مرور سبعة أشهر على سلمية الثورة وما يقابلها من القتل الممنهج سيجبر الشعب الثائر على حمل السلاح ولكن نقول أن السلمية هي كلمة السر في نجاح هذه الثورة وهناك حدود لما يستطيع النظام أن يفعله ويتحمله في مواجهة الإصرار والعناد الشعبي سيدخل التاريخ قريبا من أوسع أبوابه وسيكرس الشعب السوري مجددا مقولة أن الدم سينتصر على السيف وبذلك يكون الشعب السوري قد أثبت للعالم مدى حضاريته من جهة ومخاوفه على مستقبل أبنائه ووطنه من الإنزلاق إلى المتاهة الصراع ، مرة أخرى بعد مرات كثيرة ، فشل الحل الأمني والعسكري في قمع الثورة ، حيث رفعت لافتات كتب عليها " ثورتنا ضد الأسد من أجل الديمقراطية" و" مهما تماديتم في قتلنا فلن تفلتوا من محاكمتنا" و" لقد يأس النظام من رجوعنا فالنصر آت"و " أعتقلني أضربني أقتلني فلن أتخلى عن حريتي"و" يا هرموش نحن معك للموت يا هرموش" وغنى أهل حوران " الموت ولا المذلة عن هرموش ما رح نتخلى" وفي حمص فحملوا لافتة تخاطب النظام الإستبدادي " نحملكم المسؤولية عن حياة المقدم حسين هرموش" و"لن أذهب إلى مدرسة عذب فيها أبي" وفي حمص وتلبيسة والرستن وأدلب "لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس" وفي أدلب حملوا لافتة كتب عليها " قتلوا الحمير لأنها أكلت حزمة الإصلاحات" في إشارة إلى تصريحات سابقة للمستشارة الإعلامية في الرئاسة بثينة شعبان التي أعلنت عن حزمة إصلاحات التي أطلقها دكتاتور سوريا. فقط في سوريا لا يأخذ المواطن راحته في فتح فمه إلا إذا ذهب إلى طبيب الأسنان. فقط في سوريا إذا مات المرء وهو يصرخ طلبا للحرية فهو إما خائن أو عميل أو مندس، أو في أحسن الأحوال مغرر به، أما من مات بحادث سير فهو شهيد يستحق أن توضع صوره وتماثيله في كل مكان بالبلاد.
فقط في سوريا يستقي الإعلام الرسمي الأخبار من المسلسلات. فقط في سوريا يهجر المواطنون قسرا ثم يجبرون على دفع بدل أغتراب. فقط في سوريا تنخرط في السلك العسكري لتخدم شخصا وليس وطنا. فقط في سوريا ينصح الرئيس بترشيح نفسه لقيادة العالم بجميع قاراته. فقط في سوريا قد يدخل الطفل إلى السجن قبل أن يدخل المدرسة.
فقط في سوريا هناك خمس جامعات رسمية و17 جهازا أمنيا يصعب على السوريين تعداد أسمائهم. فقط في سوريا أكبر المنشآت الحكومية قد تكون السجون المركزية. فقط في سوريا يسجنونك عشرين عاما بلا تهمة ثم يطالبون بأن توجه إليهم خطاب شكر بعد إطلاق سراحك.
فقط في سوريا جميع الخطابات تسمى تاريخية : تسجن من غير تهمة ، تحاكم من غير محامي ثم يحرق بك السجن. فقط في سوريا : يقتل المواطن برصاصة دفع ثمنها ، ثم يتم تضليله بإعلام يدفع نفقاته.
الجنين يحتاج في رحم أمه 9 شهور قبل أن يبصر النور.. فما بالكم عندما سيكون المولود وطن كبير يتسع لكل السوريين بكل طوائفهم وطن نظيف من الإستبداد والفاسدين والمفسدين وطن الكل فيه متساوون وطن لا مكان فيه لعائلة واحدة أو طائفة واحد ة تتولى زمام الأمور.. فأعلم يا دكتاتور بشار أن الثورة هي رحم الوطن الجديد يتسع للجميع .
الشعب السوري حطم الأغلال. وأزاح شبح الخوف الذي جثم على صدره 42 عام. وضرب مثلا رائعا للتلاحم الوطني. خرج إلى الشارع متحديا الموت ومواجها أشرس نظام قمعي في العالم. فكسر هيبته وقلب كل مسلماته وجعله يتخبط ويرتعد خوفا. خرج بإنتفاضة سلمية تطالب بالحرية والكرامة بعيدا عن الطائفية. حاول النظام تشويه صورتها لشرعنة قمعها وحشد كل قوته وإعلامه وأقحم الجيش والأجهزة الأمنية والشبيحة للقضاء عليها. وبالرغم من ذلك إستمرت المظاهرات وأتسعت رقعتها وكثافتها لتصل إلى معظم المدن والقرى السورية. شعب عظيم يستحق حياة حرة كريمة وسيظفر بها قريبا.

ناجي حسين

مجموعات Google‏ مجموعة "عرباوى"

» اللغة والإعلام بقلم : د حسين المناصرة ــ Malka mabel ــ
» مبارك وزمانه مـن المنصة إلى الميدان (الحلقة الثانية عشرة) .. حسين سالم !! بقلم محمد حسنين هيكل
» خبراء الإعلام: مطلوب خطاب إعلامى مختلف يناسب المرحلة الجديدة .. بقلم: ماجدة الغندور موسي حسين فاطمة شعراوى
» مرحبا بالأستاذ ناجي السنباطي
» هل تصبح مصر دولة قطع الأيدي والأرجل "من خلاف"؟ .. أحمد ناجي ـ القاهرة